أحمد أيوب

لهذا اكتسبت مصر ثقة أبناء ليبيا

الأربعاء، 28 ديسمبر 2016 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم تسعَ مصر لهدم ما تم من توافقات سابقة بل جعلتها أرضية يمكن البناء عليها

تعرف مصر جيدًا الوجع الليبى، كما تعرف العلاج، لا تبتدع فى الحلول عن غير علم، ولا تزايد، ولا تبحث عن أهداف شخصية، إنما تسعى بكل قوتها السياسية والدبلوماسية لتضع الليبيين على طريق العودة إلى دولتهم المستقرة.
 
للمرة الثانية فى أقل من شهر تستضيف مصر أشقاءنا الليبيين، لتجلسهم فى قاعة واحدة فى «لقاء القاهرة»، دون تدخل خارجى أو شركاء غير مخلصى النوايا، ودون أن تفرض عليهم شروطًا، أو تجبرهم على مسار على حساب آخر، إنما تركت لهم تحديد أولوياتهم بأيديهم، ووضع الضوابط التى تحكم حواراتهم من أجل بلدهم، فهم من كتبوا بأقلامهم ثوابتهم الوطنية السبع التى توافقوا عليها، مثلما وضعوا مقترحاتهم الخمس لحل أزمتهم دون أى إملاءات أو ضغوط خارجية.
 
 فمصر لا تريد حوارًا ليبيًا موجهًا، ولا مصلحة لها فى ذلك، ومنذ أول يوم ترفض هذا الأسلوب، وتحذر منه، وتؤكد أن الأفضل بدلًا من دس الأنوف فى الشأن الليبى دون مبرر، أن نوفر لأصحاب المشكلة مساحة مناسبة لحوار مفتوح بينهم، لا قيود فيه ولا خطوط حمراء سوى الوطن، حوار عميق يبحث جذور الأزمة، وأفضل السبل لعلاجها، بعيدًا عن بيانات النصب السياسى المعروفة فى مثل هذه الظروف.
 
وباعتراف أبناء ليبيا أنفسهم على اختلاف انتماءاتهم، سواء ممثلو القبائل أو النواب الذين جاء ما يزيد على نصفهم إلى القاهرة، أو حتى من الإعلاميين والمفكرين الليبيين، فقد لمسوا فى كل اللقاءات أن القيادة المصرية تتعامل مع الأراضى الليبية باعتبارها أمنًا قوميًا مصريًا، فلا تسعى لمكاسب شخصية من ورائها، إنما تستهدف إنهاء الانقسام الليبى، وحماية أهلها من التقاتل لصالح آخرين.
 
كما تأكدوا أن غاية مصر الواضحة هى تحقيق الثوابت التى توافقوا عليها بأنفسهم، وفى مقدمتها وقف التدهور فى بلدهم، ومنعه من السقوط فى هوة لا خروج منها، وأن تعود وحدة التراب الليبى، وتسود حرمة الدم بين أهله، وأن تتوقف دعوات التقسيم التى تستغلها قوى خارجية لا ترى فى أرض ليبيا إلا مطامعها، وأن يكون المبدأ فى الحوار لا إقصاء، ولا تهميش، وأن تعلو المصلحة الوطنية على ما عاداها، وأن تكون المدنية هى عنوان الدولة، والتداول السلمى للسلطة هو أسلوبها. 
 
وفى المرتين اللتين اجتمع فيهما الليبيون على الأراضى المصرية، كان حضور الفريق محمود حجازى، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، كراعٍ للحوار، هدفه جمع الشمل، وتضميد الجراح، وفتح المجال لنقاش لا تعطله الخلافات، ولا تنحرف به الأهواء، ولهذا  كان حضوره مؤثرًا فى توفير مناخ مناسب للتوافق، وقطع شوط طويل فى المصالحة بين الفرقاء.
 
الأهم أن مصر لم تسعَ  لهدم ما تم من توافقات سابقة، بل جعلتها أرضية يمكن البناء عليها، فلم تغيّب الاتفاق السياسى الذى تم فى الصخيرات تحت رعاية الأمم المتحدة، بل تركته لأهل ليبيا ليقرروا مصيره باعتبارهم أدرى بشؤونهم، وقد اختاروا أن يواصلوا السير على الاتفاق، مع إدخال تعديلات عليه حتى ينتهى العذاب الذى يعيشه الشعب  منذ خمس سنوات، ويتوقف التدهور على جميع الأصعدة.
 
والواقع فعلًا أن الرؤية المصرية العاقلة للمشكلة الليبية، وحياديتها فى تعاطيها معها، مثلما أكسبتها ثقة الليبيين أنفسهم، فقد فرضت نفسها أيضًا على العالم، وجعلت الأنظار تتجه كلها إلى القاهرة، وتنتظر ما ستسفر عنه لقاءاتها بعد أن أدركوا أن مصر محطة مهمة ومفصلية لا يمكن تجاهلها فى الملف الليبى، فقد جاء المبعوث الأممى منصتًا لوجهة النظر المصرية، ومثمنًا ما تبذله لأجل الليبيين، وتوالت اتصالات الأطراف الدولية المختلفة على الخارجية المصرية ليطمئنوا على نتائج اللقاءات الليبية.
 
هذا هو الدور المصرى العاقل الذى يكسب كل يوم أرضًا جديدة من المصداقية والتأثير، لأنه لا يلعب بخبث، ولا يقصر نظره بغباء على مصالحه الضيقة، مثل بعض القوى، إنما يتعامل بتجرد من أجل استقرار الدول العربية وعدم انهيارها، فهل يتعلم الآخرون كيف يكون الحفاظ على الأمة العربية من الانهيار؟
    

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة