تعجب الشاعر العربى نزار قبانى من بعض الناس يقومون بتنظيف الزجاج بالصحف وهى مصدر المعرفة، بينما يقرأون فنجان القهوة الفارغ رغم كونه مجرد إناء صغير متسخ أولى بالتنظيف، ولم يكن يعلم بعموم البلوى، ومع بداية العام الجديد أو مباراة كرة رياضية هامة تجد من يسمون بعلماء الفلك يزعمون نتائج وتوقعات تسمى قراءة الطالع وتنبؤات المستقبل التى لقيت هجوما ضاريا من علميين وأكاديميين، يعتبرون التنبؤ بعلوم الفلك عمل علمى يختص به فقط علماء الأرصاد الجوية بكليات العلوم والمناخ بأقسام الجغرافيا ولا يعدو كونه ينبئ بأحوال الطقس.
فى البداية، شن الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، هجوماً كاسحاً على فلكيى التنبؤات، واصفاً ما يسمى استطلاع الأبراج، أو ما يسمى بالطالع بالعلم الزائف المضلل والأمر المذموم، المرفوض شرعاً، الذى يغرس فى الناس الخرافة.
الدكتور عمر محمد على أستاذ الجغرافيا بجامعة حلوان - باحث فى علوم المناخ والأرصاد الجوية
وأوضح ممدوح، أن علم الأبراج علم مزيف يطرح صفات عامة غير دقيقة وقد رفضها الشرع، يطلق عموميات تبنى عليها روايات وقصص واهية، بينما علم الفلك هو علم منظم لمعرفة المواقيت والاتجاهات مثل اتجاه القبلة وغيره، وهو علم حقيقى نافع وجائز.
وأضاف ممدوح، أنه لا يجوز مطالعة هذه الأشياء المدعاة كذباً على أنها علوم، حيث هى مضللة لكونها تنشئ عقلية الخرافة وتبتعد بصاحبها عن العقلية العلمية الصحيحة وهو مضيعة للوقت سنحاسب عليها.
وأضاف ممدوح، أن من أتى عرافاً ليسأله عما يسمى الطالع أو الأبراج فلا تقبل له 40 صلاة مع وجوب أن يؤديها، أى يسلب أجر الصلاة مع وجوب أدائها كمن يصلى فى أرض مغصوبة يجب عليه مغادرتها مع وجوب أن يؤدى الصلاة فى هذا الوقت، حيث تجب عليه الصلاة وإذا أداها لا يأخذ أجرها.
وقال ممدوح، أن من يشتغلون بعلم الأبراج هم منجمون يحاولون العمل بعلم قد ارتفع بعد أن كان موجودا فى عهد نبى الله إدريس لكونه مباحاً له، وقد حرمه شرعنا، ولا يجوز أن يشتغل به أحد لرفعه برفع نبى الله إدريس، وهو ليس علماً، بل تنجيم قد يصادف قليلا من التوقعات الحقيقية بمجرد الصدفة.
من جانبه، استكمل الشيخ صبرى عبادة مستشار مديريات الأوقاف، فى نفس النهج، مؤكداً أن هذا العلم ليس له أصل لا فى شرع أو قانون أو علم تجريبى وهو ليس من الإسلام فى شىء بل تضليل للناس وكسب بالباطل وتكذيب لما جاء به الإسلام ودرب من النصب على الناس وزعم باطل ينافى ثوابت علوم تجريبية وتصرف الله فى كونه.
الشيخ احمد ممدوح امين الفتوى بدار الافتاء المصرية
وقال عبادة إنه على من يريد أن يغير قدره فعليه أن يغيره للأفضل بالله وباللجوء إلى الله بفعل الطاعات والدعاء والصدقات والصلاة والتوبة وألا يلجأ إلى العرافين الجهلاء الذين لا يعلمون الغيب حتى عن مباريات كرة القدم، أو العام الجديد.
وفى السياق ذاته، دافع الفلكى اللبنانى، محمود شعراوى – مقيم بفرنسا – ويشتهر بـ"أبو علاء"، عن مهنته، مؤكداً أن علم الأبراج ليس بعلم حقيقى يتداوله صحة الخبر، بل هو علم للمزح والترفيه، أدمج البعض فيها توقعات سياسية.
وأضاف أبو علاء، أن علم الفلك هو لمعرفة حركة النجوم واتجاه القبلة واتجاه العواصف، حيث كان الإغريقيون والفراعنة أكثر الناس عملاً بحركة الكواكب والنجوم.
وأوضح أبو علاء، أن الشكل الذى يعمل به الفلكيون هو علم محرم شرعاً لكونه أمرا خاطئا ومرفوضا، لكونه محض تدليس، حيث إن علم الفلك والنجوم يعرف فقط حركة الكواكب وما يضر كوكب الأرض ويتم رصده من تحركات الكواكب، حيث يعلم صدق وكذب من يعلم بهذه العلوم بطريقة حسابية تباع بأثمان غالية ابتكرها اليهود ووضعوا بعضها على الإنترنت وتنبؤاتهم بها عامة وخاطئة.
وأشار أبو علاء، إلى أنه يعمل بالعلم الروحانى يحسب بالأبجد هوز وبالاستخارة، حيث إن لديه حضور، ويعرف الأخبار من قرين يوجهه إلى الشخص الذى يريد أن يعرف الأخبار عنه لكنه ترك مثل هذه الأمور لرفضه لها شرعاً.
وضرب الفلكى اللبنانى، مثلاً لهذا العمل الذى يرفضه حال كونه يريد معرفة أين يوجد الصحفى إسماعيل رفعت وذلك بتوجيه القرين إلى هذا الصحفى والذى يتتبعه لمعرفة موقعه، مؤكداً أن هذا الأمر ليس مباحاً، حيث إن الجن له قدرات على معرفة ذلك.
وأكد الفلكى اللبنانى، أنه يتبع الطريقة النبقشندية والعلم الروحانى التى ترفض التنبؤات وهى علم قرين العلم الروحانى لمداواة مس الجان وخلاف الزوجين، والفلك هو حساب حركات الكواكب والنجوم بمثلثات وحسابات ترصد حسابات الطقس والعواصف لمجرد التسلية، حيث لم يثبت فى القرآن أو عن نبى أو ولى أن تنبأ الغيب.
فيما أوضح الدكتور إينال أدهم حسن أستاذ ورئيس قسم الفلك والأرصاد الجوية – كلية العلوم (بنين)– جامعة الأزهر، أن ما يسمى بعلم الأبراج هو محض افتئات وافتراء على علم الفلك والأرصاد الجوية الذى تدرسه كليات العلوم، مضيفا أن كلا العلمين يدرس حركة النجوم، أحدهما أكاديمى يدرس بمنهج علمى ويقدم توصيف ورصد حقيقى علمى فى كليات العلوم وبعض الكليات الأخرى، والثانى الذى يعنى به العرافين وما أشبه ذلك يراقب حركة النجوم ويتنبأ بالمستقبل بشكل فيه خرافات لا ترقى إلى درجة العلم.
الأمر نفسه أيده الدكتور عمر محمد على، أستاذ الجغرافيا أحد العلوم التى تدرس علم المناخ والأرصاد الجوية، بجامعة حلوان، حيث أكد أنه لا توجد نظرية علمية قاطعة عن حركة الكواكب ينتج عنها معلومات، بل العلماء هم الذين يتابعون الأمر بشىء من التنبؤ بناء على معطيات علمية.
وأضاف أستاذ الجغرافيا، أن ما يقوم به من يسمون فلكيين هو مجرد خرافة وتأويل بناء على أهواء شخصية ودرب من دروب الشعوذة والخيال، متسائلاً: ما هو مصير التنبؤات التى لم تقع عند هؤلاء؟، حيث يؤكد كذبهم، ولماذا يكثر المتنبئون فى الوطن العربى وخاصة البلدان الفقيرة بينما لا نراهم كثيرا فى البلدان المتقدمة؟ وهل الأمر مقصود لبقائنا فى عالم الخرافة وغيرنا فى عالم العلم والحقيقة والتقدم؟.
فيما أكد الدكتور حسن شحاته، الأستاذ بكلية العلوم بجامعة الأزهر، وجود علم الفلك وأيضاً الأبراج، لكن لا أحد يستطيع استشراف المستقبل إلا الله، والغيب والمستقبل بيد الله سبحانه وتعالى، إنما هى اجتهادات، ولا تخرج عن كونها تنبؤات، قد تصادف وتقع وقد لا تحدث، ولو كانوا يعلمون الغيب لما لبثوا فى العذاب الشديد، حيث إن الجان نفسه لا يعلم الغيب، والدليل أن موت سيدنا سليمان لم يعلم به الجان إلا بعدما دلت عليه دابة الأرض.
فيما أكد محمد شاذلى، الباحث المتخصص فى الصحة النفسية، أن الأبراج هى مواقع فلكية لها أسماء معينة (نجوم)، يمكن تصنيف أوقات معينة من العام بالبرج الذى يبرز فى ذلك الوقت، ويتميز مواليد البرج الفلانى والفلانى بصفات معينة بكذا وكذا وكذا"، وتعتبر ظاهرة الأبراج قديمة جدا وقد تفشت خلال العشرين سنة الأخيرة وانتشرت بسبب انتشار وسائل الإعلام من مجلات وصحف وجرائد وفضائيات، حيث باتت خانة الأبراج وللأسف ضرورية عند كثير من الناس (كذب المنجمون ولو صدقوا) هذه الكلمات البليغة تلغى جميع التعاريف الفلكية للمنجمين نهائيا لأنها أكاذيب وإن كانت لا تخلو من الصحة.
الفلكى اللبنانى محمود شعراوى يشتهر بأبو علاء ومقيم بفرنسا
وأضاف شاذلى، أنه من ناحية الجانب النفسى فإن بعض أطباء النفس والاجتماع أفادوا بأن المواقع وخاصة منها السوسيولوجية والاجتماعية باتت هاجسا لدى الشخص، حيث تجعله يترقب دائما ما سيقع له ومصيره انطلاقا مما يقرؤه فى برجه، وهى مسألة تجعله مقيدا فى تصرفاته اليومية، وتابع أن الاهتمام بالأبراج وانتشارها فى وسائل الإعلام فيها نوع من الإفراط ومن ثم عرقلة الحياة الاجتماعية لدى كثير من الأشخاص خاصة إذا ما كانوا يعانون من ضيق فى الظروف المعيشة قراءة الأبراج ظاهرة غير صحية على جميع فئات المجتمع الذين يتوقون لمعرفة مستقبلهم.
وتابع أن ما يعانيه الشباب على الخصوص حاليا من أزمات فى العمل وفى الناحية العاطفية وأيضا فى التواصل ما هو إلا سبب فى إرهاق يومى، دفعهم إلى الهروب من واقعهم لقراءة الأبراج بدافع التسلية حسب تعبير كثير منهم وما هو إلا إرضاء للنفس ويعقبه تأثير نفسى وشعور سلبى مما يجعله يعتمد فقط على ما يقال فى الصحف والمجلات التى تتوقع الحظ لسنة بأكملها ويجعله يسير حياته اليومية انطلاقا من برجه.
وأوضح شاذلى، أنه لا شك أن هؤلاء الأشخاص نفوسهم ضعيفة وسريعة التأثر على سلوكياتهم بدرجات مختلفة سواء كانت النفسية مضطربة أو سوية حيث تتعمق المشاكل وهو ما يسمى بالإيحاء، مضيفا: "ولا أنكر أنه فى بعض الحالات تجد شخصا تحقق ما قيل فى برجه وهو عمل المشعوذين كون الأخير يعرف جيدا المحيط الذى يعيش فيه ويعمم ما يقوله على الكل ويمكن أن يصيب ويمكن أيضا أن يخطئ، فإذا أصاب أصبح مهما لدى أصحاب النفوس الضعيفة وإذا أخطأ يلتمس له الأعذار، وأخيرا أقول للشباب لا تنخدعوا بكل ما يكتب وكونوا إيجابيين ولا تكونوا سلبيين وانطلقوا فى الحياة ولا تتعلقوا بأوهام النجوم وتوكلوا ولا تتواكلوا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة