القتل حباً.. وريم نموذجاً.. احذر وأنت تختار لابنك مستقبله أن تضغط عليه حتى الضياع
يظن البعض أن كل شىء قابل للفعل تحت ستار الحب، الآباء والأمهات هم أكثر المؤمنين بتلك النظرية يريدون لأولادهم الأفضل لا شك فى ذلك، بعضهم يبذل جهداً مضاعفاً لاستنساخ نفسه فى صورة أطفاله، يطلقون الأوامر، يتحزركون بحرص خانق كما لو كانوا سجانين وأولادهم مساجين، افعل كذا ولا تفعل، انظر لكذا ولا تنظر، العب هذه اللعبة من أجل مستقبلك، ادخل هذه الكلية من أجل مستقبلك، «أنتى هتطلعى دكتورة وأنت هتبقى مهندس، لو خسرت درجة فى الامتحان أنت فاشل، انظر لابنة فلان تفعل كذا وأنت لا تفعل»، وبعضهم يتهور بدافع الحب ويضغط نسفياً وبدنياً على ابنه أو ابنته من أجل تحصيل دراسى أكثر، أو بذل جهد أكثر فى التدريب لينتهى بهم الحال، كما انتهى بفتاة الإسماعيلية بطلة المصارعة التى لم تتحمل ضغط والدها وعنيفه وضربه تحت وطأة أنه يريد لها الأفضل يريد لها التفوق والبطولة، فكانت النهاية أن اختارت الموت خلاصاً من ضغط الأب، والأب فى تلك الحالة مكلوم، كان يظن أنه يفعل الصواب من أجل ابنته مثل آباء وأمهات كثيرين.
نقتل أبناءنا بأيدينا تارة بإهمالنا أو بطرق تربيتنا الخاطئة، التى لا تعرف الحوار، والنقاش الهادى، نقتل فى أولادنا الثقة والحب والقوة حينما تمتد أيادينا لتضربهم فى أول مرة، وحينما ترتفع أصواتنا لإحراجهم أمام الغرباء، وحينما نهمل الاجتهاد فى معرفة ماذا يريدون وبماذا يحلمون وفيما يفكرون، آباء وأمهات مصر فى حاجة إلى مراجعة النفس فى طرق تربية أطفالهم قبل أن تقع الفأس فى الرأس، ونجد نموذج بطلة المصارعة فى الإسماعيلية وقد تحول إلى ظاهرة.
عندما لم تساعدنا الحياة على تحقيق الأحلام والهوايات، تترك هذه الأحلام غصة فى القلب، ويحاول الآباء تعويضها فى الأبناء، فهل يمكن أن نعوض ما فاتنا فى أولادنا «طوعا» منهم أو «كرها» منا، إذا كان كرها وقتها يصاب الأبناء بخيبة الأمل وتراجع العزيمة والهمة، وغالبا يقل دافعهم على الإنجاز عندما يقدمون على فعل أو عمل شىء لا يرغبون فيه ما يشكل لديهم ضغطا نفسيا كبيرا.
جميع الحالات التى أقدم فيها الأطفال والمراهقون على إنهاء حياتهم بسبب الضفط النفسى الواقع عليهم، كان الآباء جزءا من المشهد العام بقصد أو بدونه، وشغلوا جزءا داخل إطار الصورة التى سيطرت على مخيلة الابن فى اللحظة الفارقة، الصورة التى ترتبط بالسلطة والتسلط واستخدام الآباء لأولادهم كدروع بشرية يحتمون بهم فى الخلافات الزوجية وفى تحقيق أحلامهم المؤجلة، والنتيجة فجوة بين الأبناء والآباء وحرب تكسير عظام بين السلطة العليا ترى من حقهم فرض الولاية، والسيطرة دون الوعى بالتغيرات التى حدثت فى المجتمع مؤخرا، وأطفال ومراهقون يريدون الحق فى اختيار مسار حياتهم وفق ميولهم ورغباتهم، والنتيجة هى مقاومة الأبناء لهذا القهر بعدة طرق وأساليب، أولها الضغوط النفسية والأمراض العضوية ويمكن أن تنتهى بالتخلص من الحياة.
حكاية بطلة المصارعة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة ولكنها حلقة ضمن سلسلة مليئة بحكايات حدثت خلف أبواب بيوتنا، النماذج كثيرة
نشاهدها ونسمع عنها يوميا، فهذا إمبراطور البيزنس الذى كرس جل اهتماماته كى يكمل ابنه المسيرة، والطبيب الشهير الذى لا يرضى بديلا فى أن يشاركه المكان والسمعة إلا الابن والمهندس وصاحب الورشة وموظف السكة الحديد الذى يريد توريث ابنه المهنة حتى لا تخرج الأسرة من البيت التى وفرته الهيئة لموظفيها أثناء الخدمة فقط، والبواب الذى يرى فى ابنه الامتداد الطبيعى له، ومن يجبر أبناءه على ممارسة الهواية أو الدراسة التى تكمل الواجهة الاجتماعية للأسرة ناهيك عن اختيار نوعية الطعام والملابس وتشجيع الفرق الرياضية.
"سارة" حكايتها لابد أن تدرس فى مراكز البحوث الاجتماعية، وتقدم هذه المراكز توصيات تنشر على الملأ فى كل وسائل الإعلام، وتقوم بتوعية الآباء بترك مساحة الاختيار لأبنائهم، هذه الفتاة حصلت على مجموع يؤهلها للدراسة بكلية نظرية هى تريد الدراسة بها، لكن الأب الذى يعمل فى مجال بيزنس المقاولات، وصاحب الهيبة والكلمة العليا والوجه الصارم والأمر الناهى فى الأسرة وجد فى وحيدته الوريث الشرعى لمشروعه، وأصر على التحاقها بكلية الهندسة بإحدى الجامعات الخاصة.
فى السنة الأولى، تفوقت الفتاة كالعادة فى المواد العامة، وفى السنة التالية بدأت دراسة المواد العملية وانتظمت فى حضور المحاضرات واطلعت على المراجع، إلا أنها ولعدة سنوات كانت تترك ورقة الامتحان بيضاء، معلنة بذلك عن رفضها لكل وسائل الضغط التى مورست عليها وإجبارها على دراسة مواد لا ترغبها.
حكاية الأستاذ طارق تشبه آلاف الحكايات وراء الأبواب، عن الآباء الذين غيروا مسار التعليم أو الموهبة لأولادهم، فكان منذ صغره شديد الولع بممارسة هواية العزف على آلة العود ورفض والده رفضا باتا، معللا ذلك بأن الموسيقى ستشغل وقتا كبيرا من حيز المذاكرة، وفى النهاية طارق لم يمارس أبدا الهواية التى عشقها ولا تفوق فى نوع الدراسة التى فرضت عليه، لكن طارق الأب يفتخر أنه لم يعيد الكرة مع ابنته التى فضلت واختارت دراسة الفنون المسرحية.فالأب الذى عانى الأمرين من تسلط والده وإجباره على عدم ممارسة هوايته المفضلة - والذى يدخل ضمن أنواع الاضطهاد الفكرى - لم يمانع أبدا فى اختيار أولاده للمجالات التى يرغبون الدراسة أو العمل بها.
فكل من تعرض للقهر وفرض الوصاية الأبوية فى اختيار الدراسة أو الهواية، لم يعيد إنتاج هذا القهر لأبنائه والدليل على ذلك حكاية وليد عبدالستار الذى منعه والده من ممارسة هواية كرة القدم التى عشقها فى طفولته، وبمجرد أن بلغ ابنه الثلاث سنوات قام بإلحاقه بإحدى أكاديميات الكرة التى تتبع نادى كبير، وقام بتشجيعه، ومرافقته فى التدريبات لأنه تعلم أن القهر والإجبار يخلق لدى الطفل ارتباكًا فى الشخصية، ويصبح مسلوب الإرادة. وهنا تفسر الدكتورة هبة عيسوى، أستاذ أمراض الطب النفسى بجامعة عين شمس، زميل الكلية الأمريكية لطب نفس الأطفال والمراهقين، هذه الحالات وتقول: عندما تترك هذه الفتاة ورقة الامتحان بيضاء وتخرج فى هدوء، فإن هذا الهدوء يمثل قمة القهر الواقع عليها، وبدلا أن يتحول الغل الشديد لديها لتمزيق الورقة أو الاعتداء على المراقبين تستسلم وتخرج من لجنة الامتحان فى هدوء، لكنها أصيبت بالانزواء والعزلة، ولجأت إلى الأطباء بحثا عن علاج لحالتها التى لم يلتفت لها الأب، وعجزت الأم عن المواجهة وإصرار الوالد على تكملة مشوار دراسة الهندسة ولو بعد حين، ومع الوقت انزلقت البنت فى هوة الإدمان لنسيان المشكلة كلها.
وتخشى الدكتور هبة عيسوى، وصول هذه الابنة إلى اللحظة الفارقة والمركبة التى تتجمع فيها ثلاثة أحاسيس فى نفس اللحظة، أولها الغضب والألم النفسى الشديد، والذى يأتى بحالة الضغط التى تمارس على الضحية بقصد وبدون قصد بدافع الحب أو بدافع الهيمنة والسيطرة والثانية هى الاستسلام والتى يشعر فيها الضحية بقلة حيلته وعدم وجود أى بوادر أمل لحل المشكلة، ويأتى بعد ذلك معاقبة النفس إما بإيذاء النفس أو التخلص من الحياة.
أما الحالات الأخرى فتقول عنها الدكتورة هبة عيسوى، هى الأكثر تفهما ونجت إلى حد ما من آثار الضغوط النفسية الرهيبة التى مورست عليها من قبل، والأجمل أنهم لم يستسلموا ولم يعيدوا إنتاج القهر على أبنائهم ولم يفرضوا سلطتهم الأبوية عليهم وتركوا لهم حرية اختيار الدراسة وممارسة الهواية. وتقول الخبيرة فى علاج الأمراض النفسية، ليس كل من تعرض للضغوط يتعرض للحظة الفارقة التى تتجمع فيها المشاعر والأحاسيس التى تصل بصاحبها لإنهاء حياته، ولكن هناك أشخاص أكثر عرضة من غيرهم للقيام بذلك وهم:
الشخص كثير التهديد بالانتحار والمتابع الجيد لكل حالاته فى الإعلام ومن يتحدث كثيرا عنها.
صاحب هواية جمع الأسلحة والسكاكين ذات الشفرات الحادة، والذى يلوح دائما بها فى وجوه من يقابلهم سواء على سبيل المزاح أو الجد.
صاحب القدرة على القيام بتشريح جلده أمام جمع من الناس، واستعراض ذلك باستخدام الآلات الحادة، مبينا قدرته الخارقة على تحمل هذا، وأن الحياة لا تمثل بالنسبة له شيئا رخيصة ولا تهمه.
الأطفال والمراهقون العاشقون للألعاب الإلكترونية «هانج مان» المعروفة بلعبة المشنقة، وفيها يقوم أفراد اللعبة بتنفيذ مشهد تمثيلى للحظة الشنق، وفى آخر لحظة قبل الوصول النهاية، يعود اللاعب لنقطة الصفر ليعيدها مرة ومرات، والعاشقون لهذه الألعاب يبحثون دائما عن المتعة فى المشاهدة.
المرضى المصابين بالاكتئاب الشديد هم الأكثر عرضة للتخلص من الحياة بإرادتهم.
وكل من حاول الانتحار مرة فى العمر وفشل، يصبح لديه الدافع للتجربة مرة أخرى، وبالفعل الإحصاءات تؤكد أن كل من حاول وفشل سيحاول مرة وثانية وثالثة.
العدد اليومى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة