منها تفوح رائحة العنبر، وإليها يحج القلب دون إحرام أو تكبير، تصمت العين، تتجمد، يسكن الكون وكأنه فى صلاة ليلية خالصة لوجه الجمال، تسكن هى، فتشكل بسكونها أيقونة للبهجة المشتهاة، تتحرك فتثير فى القلب لهفة وتبعث فى الجسد روح، لونها الرائق يمنح الحياة لمسة ساحرة، يقول لك اللون ما لا يقوله اللسان، فتترجم أنت ما يملى عليك: هى بنت الشمس بنت الحياة، بنت الأرض والزرع والثمر، بنت الشقاء الحيوى، بنت الصبر على النوائب، والنهوض من دلهم الليل الغشيم إلى نور الشمس الحانى، وهى بنت الأيام القمرية التى يختبئ العالم فيها من جهنم الوضوح إلى جنة الإيحاء، فتصبح ملجأ رحبا للباحثين عن الأمان الهاربين من عقارب الساعة القاسية ودقات القدر المربكة فتغرق فى توقيت خاص لا يعرف مقداره أحد.
«ومن مذهبى حب الديار لأهلها.. وللناس فيما يعشقون مذاهب» وأنا أحبها وأحب ما يفعله حبها بى، «خمرية» هى، واشتق اسم لونها من الخمر التى تعبث فى معايير الوعى فتجعل الواحد ينظر إلى ما ينظر إليه الناس لكنه يرى ما لا يراه الناس، تستفز فى الوعى حالة الغياب، وتستفز فى الغياب حالة الوعى، فتتأرجح بين الحالين كنغمة مفصلية توصل ما بين مقام الصبا ومقام البياتى، فتسكرك بالنغم، وتسكرك بالرائحة، وتسكرك بالنشوة، ممسكة بيديك إلى عتبات الإلهام.
مصرية ناصعة، منها عرف العالم مقادير الجمال؛ فجعل من تمثال أمها «نفرتيتى» نموذجا للأنثى الكاملة، ولأجلها هتف سيد درويش «ده بأف مين اللى يألس على بنت مصر؟ بأنهى وش؟» فقد أكسبها لونها المتفرد ثراء جماليا نادرا وكأنها حوت جميع نساء الكون، ففى وجهها آيات من إبداع المثال الأعظم الذى تشعر وكأنه تفنن فى صنع كل جزء فيه، جبهة واضحة جديرة بأن تكون واجهة لعقل راسخ، وحاجبان مرسومان وكأنهما تاجان لعينين يغار منها الليل، ووجنتان منحوتتان فى شموخ يليق بالأنف السامق، تهبط منه على سهل الغواية إلى واد من شفتين رقيقتين تحرسان السر والسحر معا، وعليها يطل الذقن وقد علا واشرأب معشما نفسه بلثمة مستحيلة، فيض من وعود بالفتنة الكامنة استقام على عنق مصقول وكأنه أحد أعمدة معبد فرعونى مهيب، فاستقم إن طاف بك القدر وأسكنك فى رحابها، فعندها لا يحتاج الخشوع إلى استدعاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة