شاب أخضر العود واسع الآمال والطموحات، لم يستسلم لأمواج الواقع أو يطأطئ رأسه للظروف الصعبة والصعوبات التى يتحدث عنها الجميع، ويتحرك قليلون، كان علاء من القليلين الذين تحركوا، ضرب بيديه الأمواج، نقل خطوة بعد خطوة، واصل الليل بالنهار، حتى جمع عدّة آلأاف من الجنيهات، كانت بالكاد كافية لتأسيس أسرة صغيرة هادئة، فى بيت بسيط وقديم، ومن استطاع البدء من الصفر لن تُعجزه تكاليف الحياة والأبوة، المهم الحب ودفء الاقتراب بمن يهواها القلب، وهو ما تحقق لـ"علاء" بعد معاناة وجد واجتهاد.
أثاث شقة العريس
ارتدى علاء البدلة وأمسك بيد حبيبته "زينب"، وأعلنا انتصارهما فى الجولة الأولى مع الحياة ومصاعبها، وحينما دخلا منزلهما المشترك للمرة الأولى يوم 4 ديسمبر الماضى، بدأت الحياة تأخذ مسارًا مختلفًا، لم يعد الشاب الغض وحيدًا مع ليالى الشتاء الباردة، ولم يعد الشوق محتاجًا للسهر ومكالمات الليل الطويلة، الحبيب إلى جوار حبيبته، والأيام تسير بحلوها ومرّها، حتى جاءت "زينب" قبل يومين وقالت لزوجها إنها حامل، احتضن علاء زوجته واحتضن معها الدنيا، وبدأ يتابع التقويم كل صباح، يومًا بعد يوم لم يعد يطيق صبرًا على إيقاع الأيام وخطواتها البطيئة، يستعجل الوقت حتى يرى ثمرة حب السنوات وزواج الأيام، أخذت الحياة بعدًا جديدًا ومعنى مختلفًا فى عينيه، بدأ يستعد لمرور أشهر الحمل التسعة واستقبال ولى العهد وتوقيع الحياة على شهادة حبهما وقسيمة زواجهما باللحم والدم، توقيعًا ثابتًا لا تمسحه الأيام ولا تهزه عواصف الظروف، فكثّف ساعات عمله كسائق، حتى يكون على استعداد للولادة وتكاليفها ومصاريفها.
ذكريات ذهبت في مهب الريح
مطبّ على طريق "السائق الصغير"
لم يطالع علاء على رضوان، 23 سنة، التقويم منذ صباح الجمعة الماضية، وذلك لأول مرة منذ أخبرته زوجته بحملها، إذ استيقظ العريس الذى لم يمر على زواجه سوى أيام قليلة، إذ كان فى 4 ديسمبر الجارى، ليجد أن سقف منزله فى "عزبة الصفيح" قد انهار فوق رؤوسهم، أسرع إلى زوجته، استخرجها من أسفل السقف، وجدها مصابة بكدمات فى الرأس والجسد، وسحجات فى الجبهة والوجه، ونزيف فى الرحم، ثم بدأت الأرض تهوى بهما، ليعلم أنه فى كارثة محققة ولا حل لها، فالمنزل سينهار.
حجرة نوم العريس
بدأت القصة، كما يقول "علاء"، حينما بحث عن مكان للإقامة والسكن فى مدينة المنصورة، المعروفة بارتفاع إيجاراتها، وأسعار العقارات غير المعقولة، وخلال شهور لم يجد له مكانًا سوى عزبة الصفيح، إحدى أشهر المناطق العشوائية بمحافظة الدقهلية، التى يقطنها عدد من الخارجين على القانون، وأناس آخرون أجبرتهم لقمة العيش على العمل فى جمع الصفيح والكراتين والبلاستيك، إذ استأجر شقة "إيجار قديم" لمدة 40 سنة، مقابل 40 ألف جنيه، فى الدور الرابع من منزل يملح محمد فهمى الخولى المكون من 5 طوابق.
يقول "علاء"، "استأجرت المنزل من رجل مشهور باسم على المكوجى، وكنت أبحث عن مكان للإيجار الدائم، طمعًا فى الاستقرار، ورغبة فى الاطمئنان فى العيش، ففكرة التنقل من شقة لشقة كنت تؤلمنى جدا، ومنذ فكرت فى الزواج، جالت بذهنى فكرة الحصول على شقة بالإيجار الدائم، إيجار قديم، حتى أستقر أنا وزوجتى وأولادى فى المستقبل، ولم أكن أتخيل أن الأسعار وضيق ذات اليد سيجبرانى يومًا على العيش فى عزبة الصفيح، ولكن قلت فى نفسى قبل الزواج، وقبل أن أقدم على هذه الفكرة، أهو أحسن من الحياة فى كل حتة شوية".
يضيف "العريس": "ذهبت لصاحب العقار، ودفعت له 40 ألف جنيه جمعتها من ساعات عمل متواصلة وأيام أفنيتها من شبابى فى العمل الشاق، والسفر للخارج، والجمعيات والديون، على أن أدفع له طيلة 40 سنة، مبلغ 300 جنيه إيجارًا شهريًّا، وفور استلام الشقة قمت بعمل التشطيبات اللازمة، التى كلفتنى ما يزيد على 10 آلاف جنيه، ولم أتأخر ولم أتباطأ فى الزفاف، فأخبرت زوجتى زينب، أننا سنستقر فى هذا المنزل، وسننعم بعدم الترحال من مكان لمكان، وقد فرحت بذلك".
"علاء" يتذكر الكارثة.. ويطالب الدولة بتعويضه
يقف "علاء" ناظرًا إلى حطام المنزل، الذى انهار به فى أيام زواجه الأولى، ثم تلفت انتباهه قطعة حديد بنية اللون، تعود لنجفة كانت معلقة فى سقف غرفة الاستقبال بالمنزل، ثم يقول لـ"اليوم السابع": "كان شعور صعب جدا والسقف بيقع فوقى أنا وزوجتى، وفجأة لقيت نفسي بنزل بالأرض، كل همى زوجتى، أنقذها ولا تصاب بأذى، مش عارف وقتها إيه اللى كان بيحصل، وقفت واحدة واحدة، ودفعت السقف من فوقنا، وخرجت من تحت السقف، لقيت نفسسى أنا وزوجتى فى الشارع، لم أعد بشىء من شقتى كاملة سوى بالبطانية التى كانت تدفئنا فى تلك الليلة".
غرفة الصالون بشقة علاء العريس
ويضيف "علاء": "أنا فرحى كان 4 ديمسبر، ما كنتش أتخيل إن الوضع يتدهور بالسرعة دى، أنا كنت عايش فى شارع العباسى، قبل ما آجى هنا، وبسبب الديون والجمعيات، طورت شغلى وبقيت بشتغل فى مهنتين، أعمل فى الألوميتال نهارا بشارع الخلا، بالقرب من منزلى القديم، وليلأ أعمل سائقًا، فقد أثقلت كاهلى مصاريف الزواج".
مفروشات شقة العريس
ويتابع "العريس" حديثه بالقول: "الكارثة حصلت الساعة 6 ونصف صباحا، وحتى استوعبت ما حدث حولى وخرجت، كانت وصلت 7 وربع، الأمر استغرق 45 دقيقة حتى أنقذ نفسى وزوجتى، ونستطيع الخروج من تحت أنقاض الطابق الخامس، الذى وقع فوق رؤوسنا، وأخذت زوجتى فى الإسعاف وذهبنا للمستشفى، من أجل تقديم الإسعافات لها.
علاء العريس مع محافظ الدقهلية
وطالب علاء على رضوان، بتوفير مسكن له ولزوجته، خاصة أنه فقد كل شىء، متابعًا: "أنا حاليًا خسرت كل شىء، كل حاجة كنت أملكها فى الدنيا خسرتها، حتى البطاقة الشخصية والرخصة خسرتهم، أثاث البيت إللى كلفنى آلاف الجنيهات، خسرت ما يزيد على 150 ألف جنيه، فيه أشياء فى البيت لم أستعملها بعد، ذهبت فى الحطام، رأيت أشياء خرجت من تحت أنقاض شقتى لم أستعملها، وكانت آخر مرة رأيتها فيها قبل الفرح بأيام، وأنا أقوم بتجهيز الشقة، ونقل الأثاث والأجهزة الكهربية، وأنا لا وظيفة حكومية لى ولا عمل ثابت، أنا أعمل فى أماكن مختلفة، بأجر مختلف، ومفيش ميراث أتسند عليه ولا شىء، حتى هدومى أنا فقدتها، الجاكيت اللى لبسته منذ ساعة انهيار المنزل جاكيت والدى، وعايز الدولة تعوضنى عن خسارتى".
إصابة علاء فى الرأس
صور زفاف علاء وزوجته زينب
صور زفاف علاء وزوجته زينب
صور زفاف علاء وزوجته زينب
صور زفاف علاء وزوجته زينب
صور زفاف علاء وزوجته زينب
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة