فى فيلم خرج ولم يعد للمخرج الراحل محمد خان، تقول «خيرية» ابنة الريف والاتساع والخضرة والبهجة «أحلى حاجة هنا أنت لسه ما عرفتهاش، صوت الكروان، سمعته قبل كده» فيرد «عطية» ابن المدينة والزحام «لا.. إحنا بنسمع أحمد عدوية»، ورغم أن الفيلم يقصد أن الريف هادئ وجميل والمدينة صاخبة ومزدحمة، لكن من ناحية أخرى يؤكد أن «عدوية» كان ظاهرة تملأ حياة المدن وناسها.
الجميع يعرفون «عدوية» بصفته مطربا مميزا يختلف عن محمد رشدى ومحمد قنديل لكنه يعد بشكل أو بآخر تكملة لمدرسة الغناء الشعبى، الناس فى الشارع يعجبهم صوته الصعب تقليده، أصحاب الفنادق والكباريهات تعجبهم موسيقاه لأنها تصلح لصناعة الفرح والبهجة فى المكان، ويحبه الصنايعية والعمال لأن الشجن فى أغنياته ييسر عليهم الحياة، كما أن أداءه فى الأفلام مرتديا جلبابا بسيطا وكوفية عادية متاحة يجعله شريكا لهم فى طريقة العيش، بينما المثقفون يرونه معبرا بقوة عن مرحلة اجتماعية خطيرة فى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين فى مصر.
إذا أحمد عدوية ليس مجرد مطرب شعبى مر فى تاريخ مصر، لكنه حالة، بكل ما فيها بجمالها وعكسه، بثقافته وتأويلاته وبأثره المباشر، هذه الحالة ومثل كل شىء تغيرت ظروفها وأصبح ذوق المتلقى مختلفا، لكنه يظل دائما جزءا من ذاكرة الإنسان الموسيقية، لذا لا يصح الحديث عن منع عدوية من الغناء بسبب مرضه وكبر سنة، مثلما يرى الملحن الكبير حلمى بكر، الذى أكد بعد ذلك أن كلامه فهم خطأ.
السؤال الذى تبادر إلى ذهنى من الكلام المنسوب لحلمى بكر هو لماذا يريد الملحن لجيل من الكبار وهو منهم أن يتوقفوا عن الحياة وينتظروا الموت؟، هل يخشى أن تتأثر صورتهم لأن الأداء لن يكون بالطريقة نفسها التى يعرفها الناس عنهم؟، لكن عدوية لم ينقطع عن الناس أبدا كان حاضرا دائما فى برامج الفضائيات ليغنى قديمه الذى يعرفه الناس وكانوا ينسجمون معه، ويصفقون له إعجابا وليس مجاملة، وهذا يعنى أنه لم ينقطع عشرين عاما قبل أن يفكر فى العودة، بل هو جزء من المشهد الموسيقى فى مصر منذ حضوره، وعن نفسى لا يزال صوت عدوية أجمل وأكثر تأثيرا من 75% ممن يطلقون على أنفسهم مطربين شعبيين.
عدوية بوعى أو بدون وعى يخشى الموت، يخاف منه، وهو رجل تعود على الحياة الصاخبة، ويعرف أن السكون هو الموت، لذا يريد أن يغنى، ولا يليق بأحد أن يمنعه من ذلك، بل يجب أن يشجع الناس تحديه لهذا الموت، وأن يغنوا معه «سلطن المتسلطن».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة