جبران والعقاد والرافعى يتغازلون فى حب "مى زيادة"
واقعة غادة السمان إن صح زعمها لم تكن الأولى فى حياة الأدب العربى، فقد سبق أن عُرف أدباء ومثقفون كبار بحب وهوس امرأة، ولعل أشهرها حب الشاعر الكبير جبران خليل جبران والكاتب المصرى عباس محمود العقاد لـ مى زيادة.
الأول كان يقيم فى القاهرة، -عباس محمودَ العقاد-، والثانى لم ير مى، ولم تره مى، كان فى مغرب الدنيا، وكانت (مى) فى مشرقها، وكان البعد يفصل بينهما مسافةَ سبعة آلاف ميل من البحار، ذلك هو الفنان الأديب جبران خليل جبران.
ووثقت أغلب تلك العلاقات عن طريق، عن طريق المراسلات البريدية فيما يطلق عليه اسم (أدب المراسلات)، والذى اشتهر فى تلك الفترة، خاصة بوجود صالون مى الثقافى خاصة أن مى رغم كونها أديبة ومثقفة كبيرة، إلا أنها عرفت بصالونها الأدبى الذى كانت تقيمه فى منزلها الكائن فى شارع عدلى، كل يوم ثلاثاء منذ عام 1913.
علاقتها بجبران لم تكن عادية أبدًا فرغم أنهما لم يلتقيا، إلا أن قصص حبهما عرف بها فى الوسط الأدبى كله، خاصة أنه وثقت برسائل جبران، التى نشرت فيما بعد فى كتاب "الشعلة الزرقاء"، فيما ظهرت عدة رسائل قليلة لـ مى، بسبب فقدان معظمها.
العلاقة بين جبران ومى بدأت بعدما أرسلت "زيادة" مراسلة تبدى إعجابها بكتاب جبران "الأجنحة المتكسرة"، الذى نشره فى المهجر عام 1912، وظلت واستمرت المراسلات بينهما ولم تنقطع ورغم طول المسافات، إلا أن جبران وقع أسيرا لحب "زيادة"، واعترف لها من خلال رسائله لها.
يقال عن جبران إنه أحب مى كما لم يحب رجلا من قبل امرأة، فكانت مى فى حياة جبران الصديقة، والحبيبة الملهمة وحلقة الوصل بينه وبين وطنه، وأكثر ما أحب فيها عقلها الذى تجلى فى مقالاتها وكتبها وأحب فيها حبها له إعجابها بشخصيته وإنتاجه الأدبى والفنى.
فيما انتظرت "مى" 12 سنة لتصرح بعواطفها كتابة لجبران، ولتبين له أن الورق هو الذى منحها الجرأة، وأنه لو كان يشاركها العيش فى بلدها لما جرؤت على ذلك.
رسائل جبران لمى بقيت وتم نشرها فيما بعد فى كتاب "الشعلة الزرقاء" وكانت من ضمن رسائله: "تقولين لى أنك تخافين الحب. لماذا تخافينه يا صغيرتى؟ أتخافين نور الشمس؟ أتخافين مدَّ البحر؟ أتخافين طلوع الفجر؟ أتخافين مجىء الربيع؟ لما يا ترى تخافين الحب؟.
أنا أعلم أن القليل فى الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل فى الحب لا يرضينى. أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل. نحن نريد الكثير. نحن نريد كل شيء. نحن نريد الكمال.
لا تخافى الحب يا ماري، لا تخافى الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة."
وفيما عرف عن مى زيادة أنها بادلت جبران ذلك الحب، ولكنها انتظرت 12 عامًا كاملة لتكتب لتعبر عن ذلك وكانت أولى رسائلها: "ما معنى هذا الذى أكتبه؟ إنى لا أعرف ماذا أعنى به! ولكنى أعرف أنك "محبوبى"، وأنى أخاف الحب، أقول هذا مع علمى بأن القليل من الحب كثير.. الجفاف والقحط واللا شىء بالحب خير من النزر اليسير، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا، وكيف أفرّط فيه؟ لا أدرى، الحمد لله أنى أكتبه على ورق ولا أتلفّظ به، لأنك لو كنت حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام، واختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك ترانى إلا بعد أن تنسى.. حتى الكتابة ألوم نفسى عليها أحياناً لأنى بها حرة كل هذه الحرية.. قل لى ما إذا كنت على ضلال أو هدى.. فأنى أثق بك، وأصدق بالبداهة كل ماتقول! وسواء كنت مخطئة فإن قلبى يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك".
العقاد هو الآخر وقع فى حب مى زيادة، وبحسب ما نشر عن تلك العلاقة إن العقاد ظل يتكتم مشاعره بداخله، حتى بدأ رويدا رويدا يصرح به لمى، بل وكان يعترف لها بغيرته من جبران خليل جبران.
أعلن العقاد حبه لـ"مى" فى أبياته الشعرية التى أرسلها لها فى رسائل حين سافرت إلى ألمانيا 1952، ولعبت مى دورًا خالدًا فى حياة العقاد، فقال فى أحد اللقاءات أنه لم يحب فى حياته سوى "سارة"، الفتاة المجهولة التى أحبها فى بداية حياته، و"مى" التى أعطته السعادة، والتى اعترف بحبه لها فى أكثر من مناسبة ووصفها أنها مثقفة قوية الحجة تناقش وتهتم بتحرير المرأة وإعطائها حقوقها السياسية وكان اهتمامها موزعًا بين العلم والأنوثة، فقد صدمته باستقلاليتها، وكتب العقاد فيها أبياتًا لم تخرج للنور إلا بعد وفاته: "عشتِ يا مى هاجرًا أو عطوفًا.. أنتِ مرموقة على الحالتينِ.. عذّبينى أعرف مكانكِ عندى.. وألذّ العذاب لو فيه حينى.. وأُهنْ فيك كبرياء عزيز.. لم يكن قبل أن يراكِ بِهَيْن!".
ويقول العقاد فى رواية "سارة"، التى خلَّدت قصة الحب بينه وبين مى: "يحبها الحب الذى جعله ينتظر الرسالة أو حديث التليفون كما ينتظر العاشق موعد اللقاء، كانا أشبه بالشجرتين منهما بالإنسانين.. يتلاقيان وكلاهما على جذوره ويتلامان بأهداب الأغصان أو بنفحات النسيم العابر من هذه الأوراق إلى تلك الأوراق".
فيما كانت من ضمن مراسلات مى للعقاد تلك الرسالة والتى ربما حملت اعترافًا ضمنيًا منها بحبها للعقاد "وحسبى أن أقول لك: إن ما تشعر به نحوى هو نفس ما شعرتُ به نحوك منذ أول رسالة كتبتها إليك وأنت فى بلدتك التاريخية أسوان. بل إننى خشيتُ أن أفاتحك بشعورى نحوك منذ زمن بعيد، منذ أول مرة رأيتك فيها بدار جريدة "المحروسة". إن الحياء منعني، وقد ظننتُ أن اختلاطى بالزملاء يثير حمية الغضب عندك. والآن عرفتُ شعورك، وعرفتُ لماذا لا تميل إلى جبران خليل جبران".
وفى مقالها "أنت أيها الغريب" اتجهت الشكوك إلى أنها تقصد العقاد الذى كان يعيش فى القاهرة بعيدًا عن أهله.
الشيخ مصطفى عبد الرازق، شيخ الأزهر آنذاك، لم يكن وقاره هو الآخر، حصناً آمناً من جاذبية مى.
فأخذ يحبها بصمت وحياء ولم يعبّر عن حبه بالكلمة المسموعة، واكتفى بالتعبير بالكلمة المكتوبة عبر بعض الرسائل التى كان يراسلها بها وبلغت ثلاثاً إحداها أرسلها من باريس والأخريان من ألمانيا، بالإضافة إلى تلك الزيارات التى كان يحرص عليها فى صالون مى زيادة يوم الثلاثاء من كل أسبوع، أو من خلال "رسائله ورسائلها" التى نشرت له جموعة رسائل تحوى فلسفة خاصة وما أجملها من فلسفة من إنسان عاشق متيم، يرى الجمال فى كل ما حوله.
وتعد الرسالة التى أرسلها عبد الرازق من باريس حجة قوية للاستدلال على ما فى قلبه من حب، إذ بلغ فيها ذروة الرقة، وجنح فيها إلى حرارة التعبير حين قال: "وإنى أحب باريس، إن فيها شبابى وأملى، ومع ذلك فإنى أتعجل العودة إلى القاهرة، يظهر أن فى القاهرة ما هو أحب إلى من الشباب والأمل".
الحديث عن عشق مى زيادة تعدى جبران والعقاد ووصل إلى أحمد لطفى السيد ومصطفى الرافعى، مصطفى عبد الرازق فكلهم أدباء أحبوا مى زيادة.
لكن رغم اتهام مى بأنها تلاعبت بهم، خاصة بوجود رسائل لها ترد على رسائل العقاد وأخرى لجبران، إلا أن البعض يرى أن أصدق رسائلها كانت إلى جبران، حتى أنه قيل عنها بأن قلبها كان معلقا بالمهجر.
غادة السمان ورسائل غرام من غسان كنفانى وأنسى الحج
غادة السمان هى الأخرى، تزعم من حين إلى آخر بهوس الكتاب إليها، وذلك عن طريق نشر رسائل حب تخص الكاتب الفلسطينى غسان كنفانى أو مؤخرا مثل أنسى الحج.
فالكاتبة التى عرفت أغلب أعمالها بالطابع الرومانسى والجنس، حتى أطلق عليها البعض كاتبة المراهقات، أحدثت عام 1993 ضجة كبرى فى الأوساط الأدبية والسياسية عندما نشرت مجموعة رسائل عاطفية كتبها لها غسان كنفانى فى الستينيات من القرن العشرين، حيث جمعتهما علاقة عاطفية لم تكن سرًا آنذاك، واتهمت بسبب ذلك أن نشرها هذا هو جزء من المؤامرة على القضية الفلسطينية التى كانت تواجه مأزق أوسلو وقت النشر.
وكان من ضمن من رسائل غسان لغادة "لا تكتبى لى جوابا.. لا تكترثى، لا تقولى شيئا، إننى أعود إليك مثلما يعود اليتيم إلى ملجأه الوحيد، وسأظل أعود: أعطيكِ رأسى المبتل لتجففيه بعد أن اختار الشقى أن يسير تحت المزاريب"، ومؤخرا كشفت الروائية السورية رسائل حب تزعم أنها كانت قد كتبها لها الشاعر أنسى الحاج فى العام 1963 وجمعتها فى كتاب شاءته هدية إلى رواد معرض بيروت للكتاب عنوانه "رسائل أنسى الحاج إلى غادة السمان" (دار الطليعة).
وإن بدا هذا الكتاب بمثابة مفاجأة كبيرة حملتها صاحبة "لا بحر فى بيروت" إلى قرائها وإلى قراء شاعر "الوليمة" فالحدث الذى تتمثله هذه الرسائل يكمن خصوصاً فى كشفها "قصة" حب ولو متوهمة أو عابرة قامت بين الشاعر الذى كان فى السادسة والعشرين والكاتبة التى كانت تتهيأ فى العشرين من عمرها لدخول عالم الأدب وتحديداً عالم القصة القصيرة فى بيروت التى قصدتها لتواصل دروسها فى الجامعة الأميركية وكانت صدرت لها للتو أولى مجموعاتها "عيناك قدرى".
الغريب فى رسائل "السمان" أنها لم تنشر إلا بعد رحيل أصحابها سواء غسان أو أنسى، ما فتح الشكوك تجاه صحة تلك الرسائل، كما أنها لم تنشر ردها على تلك الرسائل بداعى أن رسائلها لغسان فقدت، أو أنها لم تكن ترد من الأساس فى إشاراتها لرسائل أنسى الحج، ومن ضمن التساؤلات عن صحة ما تدعيه السمان ما ذكره الكاتب والباحث مدحت صفوت فى مقال نشرت له فى "اليوم السابع" بعنوان "ذوبعة غادة السمان" حيث يقول: "غادة ليست نبية، ورايتها بالنسبة لنا ليست أكثر من رواية، ليست الأصدق بالطبع، فهى تدعى أنها لم ترد على رسائل أنسى ولم تكتب له، ما يشير إلى إخفاء جزء من "الحدث"، الأمر الذى سبق فى روايتها لقصة رسائل كنفانى، حين أخفت رسائلها إلى الأديب الفلسطينى بزعم أنها بحثت عنها لتنشرها فى الكتاب نفسه ولم تجدها وتحسرت على ضياعها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة