أكرم القصاص - علا الشافعي

زينب عبداللاه

قلب مهرج حلب

الأربعاء، 07 ديسمبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اعتاد أن يرسم وجهه بالألوان ويرتدى ملابس ملونة وقبعة مزركشة، يرسم البسمة على وجهه ويخفى وراءها نهرا من الدموع، يحاول أن يبتدع قصصا وحركات وحكايات لإضحاك الأطفال المنكوبين الذين يعيشون أسوأ التجارب الإنسانية وأكثرها رعبا فى حلب، بفقد المأوى والأهل والعيش بين ركام المنازل ورائحة الموت ودخان الحرائق، ولا يسمعون سوى أصوات القصف والانفجارات.
 
فكر الشاب أنس الباشا الذى يبلغ من العمر 24 عاما، فى إسعاد هؤلاء الأطفال، الذين يزيد عددهم عن 100 ألف طفل تحت الحصار، أحزنه حالهم وفقدهم لطفولتهم وما يتعرضون له من ألوان العذاب اليومى، وحرمانهم من كل مبهجات الحياة، بل من أبسط الإمكانيات والضروريات مما يسد جوع أمعائهم الخاوية ويداوى جراحهم النازفة.
 
ارتدى أنس ملابس مهرج وقرر أن يضحك الأطفال، ويخفف عنهم بطريقته، أن يزرع فيهم الأمل بأن ما يحدث سيمر، وأن الرعب الذى يعيشونه كابوس سيمضى، وأنهم يوما ما سيستيقظون على عالم وحياة أفضل، كان يوزع عليهم هدايا بسيطة لعلها تلهيهم للحظات عن واقعهم المرير.
 
لم ينتمِ أنس لأى اتجاه سياسى ولم ينضم لأى جماعة، انحاز فقط للإنسانية وأشفق على الطفولة المنسحقة تحت أقدام الأطماع السياسية. لعله استوحى الفكرة من رحمة الأنبياء بالأطفال فى زمن أصبحت فيه الرحمة عملة نادرة، أو تذكر حكاية أبا عمير أخو أنس ابن مالك، الصبى الذى مات عصفوره وكيف تعامل معه الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
 
ربما كانت دموع أنس تتساقط من خلف قناع الألوان الذى يكسو وجهه حين يرى دموع الأطفال على فقد آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم وأصدقائهم ومنازلهم ووطنهم، ربما لم يستطع أن يغالب حزنه فى أوقات كثيرة ولكنه أصر على أن يكمل رسالته حتى النهاية.
 
رفض أنس الذى تزوج منذ شهرين فقط أن يترك مدينة حلب ويرحل مع أهله ووالديه وقرر البقاء لمواصلة عمله كمتطوع لمساعدة المدنيين، نذر نفسه لإنقاذ الأطفال وإسعادهم، عمل فى أكثر من منظمة لمساعدة المدنيين فى حلب، كثيرا ما ساهم فى إنقاذ أطفال من تحت الركام، أو استخراج جثثهم، حصل على عدد من الدورات التدريبية فى كيفية التأهيل والدعم النفسى للأطفال، عمل مديرا لأحد مراكز منظمة "فضاء الأمل"، لمساعدة الأطفال ضحايا الحرب فى سوريا.
 
حاول أنس أن يرسم البسمة على وجوه أطفال يعيشون مرار الحرب، أصر على زرع الأمل، رغم أن منظمة الأمل التى ينتمى إليها أوقفت أعمالها فى حلب بعد اشتداد الغارات الجوية.
 
كان أنس يعرف أنه لن ينجو من صواريخ الحرب وقنابلها وأسلحتها، لكنه أصر أن يستمر فى إنقاذ الأطفال ورسم البسمة حتى أخر أيام حياته.
 
مات أنس، اغتيلت بسمته وما تبقى من بسمات الأطفال فى سوريا بأحد صواريخ الحرب الغادرة، التى تكره البسمة وتحاول دائما قتل الأمل فى نفوس الصغار.
 
زف الأطفال مهرجهم إلى مثواه الأخير، التفوا حوله وهم يبكون، لم يستطع أنس أن يضحكهم هذه المرة، تحولت ألوان وجهه المبهجة إلى دماء واختفت قبعته المزركشة تحت الأنقاض. 
 
مات مهرج حلب، توقف قلبه الطيب، ربما لن تذكره كتب التاريخ الذى يستحوذ الطغاة وصانعو الحروب على أغلب صفحاته، وربما لن يجد أطفال حلب من يضحكهم بعده، لكنه سيبقى دائما فى ذاكرتهم، يشكل جزءا من وجدانهم ويبث الأمل فيهم، يعلمنا دروسا لا يعرفها إلا من يملك قلبا مثل قلبه حتى وإن كان هؤلاء عملة نادرة فى زماننا.. رحم الله مهرج حلب الذى زرع الحياة فى قلب الموت ورسم البسمة فى أرض الحزن.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد سعد

هؤلاء لا يموتون

مهرج حلب وأمثاله لا يموتون لأنهم يعيشون فى القلوب والعقول

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

جنة الرحماء

ربما ينساه التاريخ ولكن الله لا ينسي عبده العطوف الرحيم

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة