اتصل حافظ بدوى، رئيس مجلس الشعب، بمحمد عبدالسلام الزيات، مستشار السادات السياسى، وزير شؤون مجلس الأمة، أمين اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، وطلب منه موعدًا عاجلًا.
اشتهر «بدوى» بلقب «حافظ الميثاق»، دليلًا على حفظه لـ«ميثاق عبدالناصر»، وبالرغم من ذلك كلفه السادات برئاسة المحكمة الخاصة بالمتهمين فى قضية «15 مايو» المعروفة إعلاميًا بـ«مراكز القوى»، وحسم فيها «السادات» الصراع لصالحه ضد وزراء ومسؤولين عملوا إلى جوار جمال عبدالناصر. ووفقًا لمذكرات «الزيات» بعنوان «السادات- القناع والحقيقة»، «كتاب الأهالى- القاهرة»، كان «بدوى» فى حالة هلع شديد، وبعد الشكر فى شخص «الزيات»، قال له إنه الوحيد الذى يستطيع أن ينقذه من مأزق، وهو أن هناك ضغوطًا شديدة على المحكمة للحكم بالإعدام على بعض المتهمين، وأن بدوى حمودة، رئيس مجلس الدولة، أحد أعضاء هذه المحاكمة الخاصة، هدد بالانتحار بإلقاء نفسه من فوق كوبرى قصر النيل، ولكنه عاد واستجاب بعد ضغوط شديدة للحكم بالإعدام على متهمين، بشرط أن يعد السادات وعدًا صريحًا بتخفيف الحكم، وقال «بدوى» لـ«الزيات» إنه الوحيد القادر على الحصول من السادات على هذا الوعد، واستعجله لأن الأحكام ستعرض فى ظرف يومين على السادات للتصديق عليها، والمعروف أن «الزيات» كان فى صف «السادات» أثناء «صراع 15 مايو»، لكنه فوجئ بكلام «بدوى» لعلاقاته الإنسانية بهذه المجموعة التى لم يتصور أبدًا إعدامهم أو حتى سجنهم.
كان السادات يستجم فى استراحة بحلوان عبارة عن فيلا صغيرة استأجرتها له الرئاسة، وذهب إليه «الزيات»، وحسب قوله: «كان مسترخيا وعرضت عليه بعض المسائل، ثم فاتحته فى الموضوع»، فرد بأنه عقد العزم على إعدام على صبرى، نائب رئيس الجمهورية، وسامى شرف، الوزير برئاسة الجمهورية، ولم يستقر بعد على رأى نهائى بشأن آخرين، ويؤكد «الزيات» أنه فشل فى إثنائه عن نيته، بالرغم من محاولته أكثر من أربع ساعات، مما اضطره فى النهاية إلى الوقوف منتفضًا قائلًا بلا وعى: «يستحيل وأنا مستشارك أن أتحمل عبء هذا القرار»، فرد: «إذا كنت تريد أن تستقيل فالباب مفتوح، ولا تتصور أن لك فضلًا على، وحسابنا سيكون فيما بعد».
لم يذهب «الزيات» إلى مكتبه فى اليوم التالى، وفى الساعة الرابعة اتصل به «السادات» فى منزله طالبًا منه الذهاب إليه فى بيته بالجيزة الساعة السادسة، ولما ذهب فى الموعد عرف أن «السادات» مجتمع بهيئة المحكمة العسكرية التى نظرت قضية الفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية المتهم أيضًا، فى الوقت نفسه كان موجودًا فى الصالون هيئة المحكمة التى حاكمت بقية المتهمين، ومعها اللواء ممدوح سالم، وزير الداخلية، وكان بدوى حمودة يجلس صامتًا، بينما كان الحوار محتدمًا بين حافظ بدوى وحسن التهامى، العضو الثانى فى المحكمة الخاصة، حول «الفسيخ»، وهل يعتبر من الميتة التى حرمها القرآن، وكان «التهامى» يدافع عن هذا الرأى بينما ينكره «بدوى».
انتظر «الزيات» حتى طلبه «السادات»، ولم يكد يجلس حتى قال له بأنه لن يتم إعدام أحد، لأن المحكمة العسكرية التى حاكمت الفريق «فوزى» لم تجد فى القانون العسكرى ما يسمح بإعدامه، وعلى ذلك لم يصبح من المناسب أن يصدق على حكم بالإعدام على المدنيين وبنفس الجرائم، وحسب أحمد حمروش فى كتابه «غروب يوليو»، «دار المستقبل العربى- القاهرة»، فإن المحكمات بدأت يوم 25 أغسطس 1971 مع 12 متهمًا، هم شعراوى جمعة، وزير الداخلية الأسبق، وسامى شرف، الوزير برئاسة الجمهورية الأسبق، وعلى صبرى، نائب رئيس الجمهورية الأسبق، وعبدالمحسن أبوالنور، أمين عام الاتحاد الاشتراكى الأسبق، ولبيب شقير، رئيس مجلس الأمة الأسبق، وضياء الدين داود، عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكى الأسبق، ومحمد فائق، وزير الإعلام الأسبق، وسعد زايد، وزير الإسكان الأسبق، وحلمى السعيد، وزير الكهرباء الأسبق، وعلى زين العابدين، وزير المواصلات الأسبق، وفريد عبدالكريم، أمين الاتحاد الاشتراكى بالجيزة السابق، وأحمد كامل، مدير المخابرات العامة السابق، وفى مثل هذا اليوم «8 ديسمبر 1971» تم إعلان الأحكام، ومنها حسب «حمروش»: «إعدام أربعة هم شعرواى جمعة، وسامى شرف، وعلى صبرى، وفريد عبدالكريم، وتحول إلى المؤبد، وفاروق خورشيد، وأحمد جنين، ومحمد رجائى، ووجيه الشناوى، وسامية عبدالعزيز، وصبرى ياسين، وجلال السيد، وعلاء الديب، وسعد لبيب، وسيد الغضبان، وصلاح زكى، وجلال معوض».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة