أكد الدكتور إبراهيم الدميرى وزير النقل الأسبق ورئيس لجنة النقل بالمركز القومى للبحوث أن مصر تخسر سنويا 175 مليون جنيه بسبب الزحام المرورى، وأن 84 مليار جنيه من هذا الرقم تمثل قيمة الوقت الضائع الذى يقضيه المواطن زيادة فى الرحلة اليومية، وأن خسائر الدولة جراء التكدس المرورى بالقاهرة الكبرى وحدها 47 مليار جنيه.
وأضاف الدميرى فى حوار لـ"اليوم السابع" أنه حتى الآن لا يرى مسئولا بالدولة قدم خطة أو حلا يمكن عبره حل أزمة المرور، وأن تنفيذ مشروعات المترو فى مصر يسير ببطء شديد جدا وبشكل مأساوى، وأنه وضع خطة قومية لتطوير السكة الحديد خلال وجوده بالوزارة بالمرة الثانية لكنها اختفت بعدما ترك وزارة النقل، وإلى نص الحوار..
بداية.. كيف ترى أزمة المرور فى القاهرة الكبرى؟
نحن بحثنا أزمة المرور فى مصر ككل فى أكاديمية البحث العلمى من خلال دراسة بحثية أشرفت عليها وشارك فيها فريق بحثى كبير.. وأفادت هذه الدراسة أن الخسائر التى يتكبدها الاقتصاد القومى سنويًا بسبب أزمة الزحام المرورى فى القاهرة الكبرى فقط تقارب من 47 مليار جنيه، بما يعادل نحو 3.6% من إجمالى الناتج المحلى فى مصر.
وما حجم الخسائر الإجمالية التى تتكبدها مصر عموما بسبب التكدس المرورى الموجود فى أغلب المحافظات؟
نحن بحثنا هذا الموضوع، ووجدنا عدم الاهتمام به يكبد مصر خسائر سنوية كبيرة جدا.. وهذه الخسائر تتمثل فى الاختناقات المرورية الموجودة على شبكة الطرق المصرية وعلى رأسها طبعا فى القاهرة الكبرى، وهذه الخسائر لما جينا نحسبها لقيناها 84 مليار جنيه سنويا تمثل قيمة الوقت الضائع فى الرحلات اليومية بسبب الزحام المرورى، فأنت أحيانا تقطع الرحلة التى تستغرق 15 دقيقة فى ساعتين، وهذا الوقت الفاقد له قيمة اقتصادية، وعندما ترجمنا هذا الوقت إلى فلوس بلغت قيمته الـ84 مليار جنيه.
والنوع الثانى من الخسائر ناجمة عن زيادة استهلاك الوقود، فطول ما موتور السيارة شغال فهو يستهلك وقود، وكل ما الرحلة يطول وقتها يزداد استهلاك الوقود، والوقود الضائع هذا يخسرنا 23 مليار جنيه سنويا، والنوع الثالث من الخسائر ناتج عن الحوادث المرورية والتلفيات بالمركبات وتكلفة الوفيات والإصابات وهذا يخسر البلد 67 مليار جنيه سنويا، وهذه كلها خسائر مباشرة إجمالى تكلفتها تصل إلى 175 مليار جنيه سنويا، ونصيب القاهرة الكبرى وحدها من هذه الخسائر 47 مليار جنيه.
وماذا تقترح لمواجهة هذه الأزمة وما تسببه من خسائر؟
التعداد السكانى فى القاهرة الكبرى وصل إلى حوالى 19 مليون نسمة ومعظمهم جاءوا من المحافظات بحثا عن فرصة عمل، وأول حاجة يجب تنفيذها هى الحد من الهجرة من الأقاليم للقاهرة الكبرى، وهذا لن يتحقق إلا من خلال إحداث تنمية بهذه المحافظات وإلغاء المركزية، وهنا يجب أن نشجع انتخابات المحليات ويبقى فيه مجالس محلية قادرة على تنمية محافظاتها والاستفادة من الخامات والموارد الطبيعية بكل محافظة، وهذه المحافظات غنية بمواردها، ولابد أن كل محافظة يكون له ميزانية خاصة وتطور نفسها وتنمو ويكون لديها صناعات تشجع أهلها على البقاء بها، وهذا النظام موجود فى ألمانيا.
وعليك أن تعلم أن فى القاهرة الكبرى حوالى 35 مليون رحلة يوميا، ومترو الانفاق وهيئة النقل العام ينقلوا منهم حوالى 10 مليون رحلة، أما باقى الرحلات فهى موزعة على الميكروباصات والسيارات الخاصة والتاكسيات والتكاتك.. والحل لاستيعاب هذه الرحلات ولمواجهة الزحام المرورى يجب تشجيع النقل الجماعى وتقليل استخدام السيارات الخاصة، وهذا يتطلب توفير وسيلة نقل جماعى جيدة تناسب مستوى المواطن.
وهنا لابد أن نهتم بوسائل النقل الجماعى بشكل سريع جدا، وعندما اتحدث عن وسائل النقل الجماعى لا أقصد الأتوبيس، إنما الوسائل ذات السعة الكبيرة، لأن الأتوبيس ينقل فى الساعة 5 آلاف راكب، بينما ينقل الترام 80 ألف راكب فى الساعة، لذلك مطلوب الإسراع فى تنفيذ شبكة مترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى لاستيعاب هذا العدد من الرحلات اليومية، ويصبح بدلا من أن ينقل المترو 5 مليون رحلة كما هو حاليا ينقل 15 مليون رحلة بعد اكتمال تنفيذ شبكة مترو الأنفاق بخطوطها الـ6، وبهذه الطريقة سأقلل من استخدام السيارات الخاصة، نفس فى المدن التى تشهد زحام مرور لا حل سوى من خلال الاهتمام بالنقل الجماعى بالأخص ذات السعة الأكبر.
الحكومة طرحت أكثر من مرة مشروع الأتوبيسات المميزة ذات المسارات الثابتة كحل لمواجة زحام القاهرة الكبرى.. ما تعليقك؟
هذا المشروع يجب أن يدرس بعناية وهو قابل للتنفيذ فى محاور معينة، فى الشوارع التى عرضها لا يقل عن 40 متر، بحيث يكون فيها حارات خاصة بالأتوبيسات، ويكون لها أولوية فى المرور فى التقاطعات، لأن شوارعنا فيها تقطاعات كثيرة، والحل الأفضل لمواجهة الزحام يتمثل فى الترام لأن سعته كما ذكرت أكبر من الأتوبيس بكثير.
ونحن كان عندنا شبكة ترام كبيرة فى القاهرة الكبرى، وكان يجب تطوير هذا الترام وشراء اسطول جديد ونحسن من الخدمة، لكن للأسف كل محافظ كان يجى كان يروح جاى شايل خط ولا خطين حتى انقرض الترام فى القاهرة الكبرى.. وهذه مأساة.. وأنا عاتبت كل وزراء النقل والمحافظين الذين توافدوا بسبب هذا المسلك لأنه غير علمى، هذا الترام لو كان لسه موجود وتطور كانت الناس هتستخدمه وكان هيحل أزمة المرور بسرعة.
ما تقييمك لتعامل المسئولين حاليا مع أزمة المرور؟
حتى الآن مفيش مسئول قدم معالجة تستطيع أن تقول أنها ستحل مشكلة المرور فى القاهرة الكبرى.. وأنا تحدثت فى هذا الموضع منذ سنوات ووضعنا حلول قابلة للتنفيذ، لكن هذه الحلول تحتاج قرار سيادى وعلوى لتنفيذها، وقلنا إذا كانت الدولة غير قادرة على تمويل هذه الحلول فعليها تشجيع القطاع الخاص أنه يدخل يقدم خدمة نقل جماعى.. يشغل أتوبيس سريع أو يشتغل فى مونوريل أو ينفذ خط من خطوط المترو.. يا راجل داحنا بنفذ خط المترو الواحد فى 15 سنة.. هل ده يبقى معقول؟.. دا الخط الرابع بقالهم 10 سنوات بيتفاوضوا على توفير تمويله ولسه بنقول يا هادى.. وعلى ما تخلص بس المرحلة الأولى من الخط الرابع يكون عدد سكان القاهرة وصل إلى 25 مليون.. هذا وضع مأساوى.
أنا وضعت خطة لتطوير النقل فى مصر منذ عام 1999 عندما توليت مسئولية وزارة النقل فى المرة الأولى، وللأسف بعد 17 سنة لسه بيفكروا ينفذوا حاجات من اللى كنت أنا قايل عليها رغم أن الوضع تغير.
ولماذا لم يتم تنفيذ هذه الخطط؟
نتيجة عدم وجود تمويل من الدولة، وعدم توفر مناخ استثمارى يشجع القطاع الخاص أنه يدخل يقدم خدماته فى مجالات النقل المختلفة.. وكانت النتيجة أن هذه الخطط لم تنفذ والطلب على النقل زاد جدا ونحن واقفين محلك سر.. وهذه ظاهرة سيئة جدا.. وأملى أن هذا الوضع يتغير بعد قانون الاستثمار الجديد الذى يجرى إعداده، واتمنى أن هذا القانون يشجع المستثمرين يدخلوا قطاع النقل ويقدموا خدمات النقل الجماعى..وعائدها سيكون جيد جدا إذا أطلقنا حرية تحديد تعريفة الركوب.
وكيف سيتم التعامل مع محدود الدخل مع إطلاق حرية تحديد تعريفة الركوب؟
كل حاجة لها حل، وهنا عليك أن تقدم خدمات النقل على مستويات، فمستوى مكيف ثم مستوى أقل فأقل إلى أن تصل إلى المستوى العادى فيكون المواطن لديه كافة الاختيارات.
عندما توليت مسئولية وزارة النقل فى المرحلة الثانية بعد ثورة 30 يونيو وضعت خطة قومية لتطوير شبكة السكة الحديد جديدة إلا أن هذه الخطة اختفت بعدما تركت الوزارة.. ما تعليقك؟
انا عملت المشروع القومى لتطوير سكك حديد مصر.. وهذا المشروع يتضمن 4 مستويات..المستوى الأول يشمل تطوير الشبكة القائمة وجعلها تعمل كخطوط ضواحى بين المحافظات فقط بسرعة لا تزيد على 80 كم/س، والمستوى الثانى تشغيل خط يربط عواصم المحافظات عبر نفس الشبكة بعد تطويرها وتحديثها بسرعة تصل إلى 120 كم/س، والمستوى الثالث تشغيل قطار مكهرب جديد بسرعة تصل إلى 160 كم/س.. ومفيش فيه عك المزلقانات اللى موجود دلوقتى واللى كل يوم تحدث حادثة أمامها.
أما المستوى الرابع فهو حلم مصر ويشمل قطار فائق السرعة يقام على كوبرى علوى ويسير بسرعات تصل إلى 350 كم/س يربط بين الإسكندرية وأسوان.. وهذا المستوى سيخدم حركة السياحة ورجال الأعمال والناس القادرين على دفع قيمة التذكرة واللى بيقدروا قيمة الوقت.. والمرحلة الأولى كانت من الإسكندرية إلى القاهرة، والثانية من القاهرة إلى أسيوط، والثالثة من أسيوط إلى الأقصر، والرابعة من الأقصر إلى أسوان.
والمرحلة الأولى من القطار السريع كانت تربط المتحف الكبير بما سيشجع حركة السياحة.
ومجلس الوزراء أيام المهندس إبراهيم محلب وافق على هذه الخطة القومية، وتدريب الكوادر للعمل على هذه التكنولوجيا كان سيكون فى معهد وردان.. وكنا قطعنا شوطا كبيرا وحددنا مسار المرحلة الأولى ووافقت عليه وزارة الدفاع.. وتلقينا عرض من الصين لتنفيذ هذه المرحلة بين الإسكندرية والقاهرة.. وكل مرحلة مفروض كانت تستغرق 3 سنوات.. ولما توليت الوزارة فى المرحلة الأولى عام 1999كانت تكلفة هذه المرحلة 7 مليار جنيه.. وعندما عدت للوزارة 2013 كانت التكلفة 20 مليار جنيه.
وفى المرة الأولى لى بالوزارة أجرينا الدراسات مع اسبانيا وأيطاليا، أما فى الأخيرة فكانت مع الصين.. وكان فيه ممولون.. لكن للأسف كله توقف بعدما تركت الوزارة فى كل مرة.. وعاوز أقولك أن نجيب ساويرس ومنير غبور جاءوا لى فى مكتبى الخاص أيام حكومة أحمد نظيف وابديا استعدادهما تمويل وتنفيذ مشروع القطار السريع، وأعدت لهما دراسة أولية لتنفيذ هذا المشروع وعرضاها على نظيف ثم نام الموضوع.. ومش عارف نام ليه.
وهل العرض الصينى لتنفيذ مشروع القطار السريع ما زال قائم؟
قائم طبعا.. بس الموضوع يرجع لمتخذ القرار..عاوز أقول أن مفيش وزير بيعمر فى وزارة النقل عشان كده مش بيلحق يعمل حاجة.. وكل وزير جديد بيجى بيبدأ من جديد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة