حــســــن زايــــــد يكتب: "زكريا وبيرم" وتحية لشهداء الوطن

الإثنين، 01 فبراير 2016 06:10 م
حــســــن زايــــــد يكتب: "زكريا وبيرم" وتحية لشهداء الوطن جنازة شهداء - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل يوم يسقط شهداء فى مجابهة الإرهاب. لا فرق فى ذلك بين رتبة ورتبة، ولا رتبة ودرجة، ولا درجة ودرجة. الجميع ارتقى إلى الرتبة الأكبر، والدرجات العلى.

ومن مات قد اطمأنت القلوب عليه، وعُرفت مكانته، ومكانه، فلا ريب أنه قد انتقل إلى دار خير من داره، وإلى أهل خير من أهله.

هذا ما نعتقده، ونؤمن به يقيناً. وترتقى النفوس فى الدنيا على قدر صبرها، والصبر عند الصدمة الأولى، وفى الآخرة يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب. وعلى الجانب الآخر من النهر لا نلتفت إلى ما هو قائم، حيث نجد أن الموت مصيبة ـ هكذا سماه الله ـ تصيب أهل الميت أو اهل الشهيد، باعتبار أن الشهيد حى.

والمصيبة هى المكروه الشديد، وهى الشدة والنازلة، وهى الفجيعة. وحين تحل المصيبة، فإنها تحل بأهل الميت، وأهل الميت هم والداه وما علا، وولده وما نزل، وزوجه، وإخوته، وأخواته، وأعمامه وأخواله، وعماته وخالاته، وباقى أقاربه بدرجاتهم. كم أصابت تلك النفس المطمئنة حين فاضت من نفوس بالفجيعة والألم، وكم قلب اعتصره ألم الحزن اعتصاراً، وكم نفس اكتوت بلوعة الفراق وحسرته، وكم يبلغ مدى الفراغ وحجمه وعمقه الذى فرغه من رحل دون موعد سابق، ودون سابق إنذار.

هل شعرت بشعور قهر الأب، ولوعة الأم، وحسرة الزوجة، وضياع الابن أو الابنة، إنها أمور لا يشعر بها إلا من عاشها، وإذا عاشها يعجز عن التعبير عنها. كلنا يقلب الصفحة، ولا يلتفت وراءه، وكأن انقلاب الصفحة سيطوى الألم والحزن واللوعة والإحساس بالفجيعة والوحدة والمرارة، رغم أنها أمور تمتد فى الأفق البعيد، وتتوغل وتنتشر فى كل مناحى الحياة. أذكر من ضمن ما أذكر فجيعة الموسيقار الشيخ زكريا أحمد رحمه الله، حين اختطف الموت وحيده محمد. فقد أذهلته الفجيعة، وكادت أن تذهب بعقله.

التزم البيت، وقد تدثر بحزنه الدفين، الذى طفح به احتراق قلبه وكبده. وعندما زارته سيدة الغناء العربى، كوكب الشرق أم كلثوم، لتواسيه، فزعت لحاله، وظنت أن الحزن سيقضى عليه لا محالة، فأرسلت فى طلب نديمه الشاعر بيرم التونسى، الذى كان موجوداً فى مدينة الأسكندرية فى ذلك الوقت، ولم يعلم بالوفاة. وعندما قدم إلى القاهرة كان قد مر على الوفاة ثلاثة أيام. ثقيلة هى ثقل الجبال على صديقه، بحزنها ولوعتها ووحشتها. دخل عليه فلم يشعر به، كلمه فلم يرد عليه، ينظر إليه بعيون شاردة، نظرة من

يحملق فى اللاشيء، فى العدم. فنظر بيرم فى عينيه وهو ينشد :


الأولـــة فى الغــرام والحــب شـبكـوني.
والثانية بالإمتـثال والصـبر أمــــرونى.
والثالثة من غير ميعاد راحوا وفاتوني.

حتى وصل إلى المقطع الذى يقول فيه :


حطيت على القلب ايدي.. وانا بودع وحـيــــدى
وأقول يا عين اسعفيني.. وابكى وبالدمع جودى
عندها ذابت الدموع المتجمدة فى المآقى، وانسابت منهمرة، وأجهشا بالبكاء الشديد. وأخذ الشيخ زكريا بالعود، ووسط سيل الدموع المنهمر، جعل يدندن: "الأولة فى الغرام". بيرم يردد الكلمات وهو يبكى، والشيخ زكريا يعزف. وخرج لنا هذا الموال العبقرى، كلمات، ولحناً، وصوتاً. كلمات ولدت فى أُتون الألم. ولحن صدر عن قلب وكبد يحترق. وصوت عبقرى لا يباري.

وأنا اليوم وأنا أتابع وقائع الإستشهاد فى مواجهة عناصر الإرهاب الإجرامية، أستشعر بالقلوب المفجوعة وهى تردد بين جنبات النفوس والقلوب، كلمات العبقرى بيرم التونسى :
سافر فى يوم ما واعدني.. على الوصال وعاهدني
وكان وصــــــــاله وداع.. من بعد طـــــول امتناع
حطيت على القلب ايـدي.. وانا بــــودع وحــــيدي
وأقول يا عـين اسعفينى.. وابكى وبالدمع جـــودي

من يوم ما سافـــر حبيبى.. وأنا بــداوى جــــروحى
أتــارى فى يوم وداعــــــه.. ودعت عقلى وروحى
طــالـت عـلـى اللـيـالــــى.. وأنت يـا روحـــــى أنت
لعل فى تلك الأبيات ما يعبر عما يدور على الضفة الأخرى من النهر، فتحية لشهداء الوطن، وصبراً وسلواناً لأهلهم وذويهم.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة