الازدواجية تفضح أصحابها
خلال أسبوع واحد تقريبا شاهدنا حدثين كليهما يتعلق بالشرطة وجهاز الأمن، الأول كان قضية «الكاندوم» أو «الواقى» ، والثانى حادث أمين الشرطة وأطباء مستشفى المطرية، حادث الكاندوم وكل من أحمد مالك وشادى فاهيتا، رآه البعض نوعا من السخرية المسيئة والمهينة للشرطة والجنود. عندما قرر أحمد مالك وشادى فاهيتا، فى احتفالات ثورة يناير وعيد الشرطة، نفخ عدد من «أوقية» وتقديمها إلى جنود ورجال الشرطة، بميدان التحرير. وتصوير هذا ونشره على شبكات التواصل، واجها هجوما وانتقادا حيث رآى البعض تصرفهما نوعا من السخرية المسيئة والمهينة للشرطة والجنود. ومنهم معتدلو الثورة ممن يتخذون مواقف مبدئية.
لكن الموقف من موقعة «الكاندوم» كشفت عن الاستقطاب بين متطرفين فى الجانبين، وكلاء الثورة الحصريين أيدوا الفعل ورأوا أن الأمر ليس فيه إهانة ولا يتجاوز التعبير عن الرأى، وعددوا من تصرفات الشرطة وسلوكيات تمثل إهانة. ومنهم من - تطرف فى التطرف - واعتبر واقعة الكاندوم فعلا ثوريا وإبداعيا.
فى المقابل تعامل فريق آخر بحدة وطالب بإنزال أشد العقاب، بل إن بعضهم اعتبر فعل الكاندوم لا أخلاقى وتجاوز ووجه شتائم إلى الشابين أحمد وشادى، بالأب والأم، ورفضوا قبول اعتذارهما وطالبوا بحبسهما.
الاستقطاب والازدواجية، لا يقوم فيها الرأى على منطق وإنما على انحياز أقرب إلى التعامل مع مباراة كرة قدم، كل جمهور يشجع فريقه. لكن الاستقطاب والتعامل المزدوج يقع فى فئة متعصبة فى الفريقين.
وفى نفس الأسبوع تقريبا، وقعت حادثة مستشفى المطرية التعليمى، عندما تقدم أمين شرطة يطلب من الأطباء تقريرا طبيا يتجاوز حجم الإصابات وعندما رفض الأطباء اعتدى أمين الشرطة على اثنين بالضرب والسحل بعد أن استدعى زميلا له. ثم فوجئ الضباط بأن الأمينين حررا محضرا يتهمان الأطباء بالاعتداء عليهما، وحصلا على تقرير طبى يدين الأطباء. والأطباء المعتدى عليهم تحولوا إلى جناة. وتنازلوا بالتصالح، تحت ضغط الأوراق «المتستفة». شهادات الشهود والتفاصيل، تبين أن الأمينين هما من اعتديا، لم يتم التحقيق بشكل محايد، لأن الأمينين بدعم من سلطات القسم المعروف بسوء المعاملة مع الجمهور وتكرار حالات القتل والتعذيب، قلبوا الواقعة لصالحهما.
هنا ظهرت ازدواجية جديدة، الداخلية تجاهلت التحريات والشهود، والذين استنكروا فعل مالك وشادى و"الكاندوم"، صمتوا عن خطأ الأمينين أو برروا للمعتديين. وفى المقابل فإن من برروا فعل "الكاندوم"، طالبوا بحساب الأمينين واستنكروا الاعتداء على الأطباء، وطالبوا بعقاب.
أما المواطن الطبيعى فهو يتعاطف مع الشرطة فى "الكاندوم"، ويدين الاعتداءات والتجاوزات، ويطالب بمحاسبة المتجاوزين من الشرطة عموما وفى واقعة مستشفى المطرية. وزارة الداخلية بعد تحرك الأطباء وزملائهم ونقابتهم، أعلنت إيقاف أمينى الشرطة. وإحالتهما للتحقيق، وقال متحدث الداخلية إن الأمين أصيب فى مواجهة مع تجار المخدرات، والخلاف حول التقرير.
الأمر لا يحتاج إلى كل هذا «الاستهبال والاستقطاب»، المواطن الطبيعى لديه مقياس واحد، يتعاطف مع جنود الشرطة ضد الإساءة ويدين عدوان وتجاوزات رجال الشرطة أيا كانوا. وهى مسألة بسيطة لها علاقة بالإنسانية والمنطق والقواعد العامة المجردة والعدل.