إعادة الحسابات مرة أخرى هى المطلوب من المستشار
لا أؤيد المستشار سرى صيام، عضو مجلس النواب المعين من الرئيس السيسى، فى تقديم استقالته من البرلمان، لأسباب تبدو لى صراحة أنها «أسباب خاصة وشخصية»، يملك تفسيرها وحده المستشار صيام، فالأسباب التى تواردت ثم أعلنها على لسانه قابلة للنقاش والجدل، ولتفسير آخر لا يؤيد المستشار سرى صيام فى قراره بالاستقالة من البرلمان، فالاستقالة جاءت مبكرة جدًا، وبتشريف من الرئيس عبدالفتاح السيسى، والمجلس لم يبدأ جلساته الحقيقية بعد، ومازال فى ضربة البداية المرتبكة مثل أى شىء جديد يتعرض للتعلثم والارتباك فى بداية حياته أو عمله، وخبرة سرى صيام وحكمته تحصنه من تصرفات نواب آخرين يميلون للاستعراض السياسى، و«الشو» الإعلامى، ويهددون دائمًا بالاستقالة. ولا أدرى أى استقالة، ومن أى وظيفة، وهو نائب تم انتخابه من الشعب ليعبر عن مشاكله وقضاياه، وليس منتخبًا لوظيفة فى مجلس محلى شبرامنت، أو أمين عهدة فى مرفق الإسعاف أو السكة الحديد حتى يتقدم باستقالته، فهو رجل قادم من منصة القضاء الشامخة والجليلة والقادرة على تمييز الأمور بميزان العقل والحكمة، وليس برد الفعل على أمور يراها البعض أمورًا «نفسية وشخصية»، ومردود عليها، ولا علاقة لها بالواقع.
وأعتقد أن المستشار سرى صيام بمناصبه المتعددة وبآرائه وأفكاره وقيمته القانونية أعلى وأكبر من أى منصب داخل البرلمان، ولا يعنيه كثيرًا اختياره فى لجنة إعداد اللائحة أو غيرها، فالقادم أهم، ووجوده فى المجلس بخبرته القانونية يحتاجها المجلس فى مشروعات القوانين الكثيرة التى ستتم مناقشتها تحت القبة، وبالتالى فوجود المستشار سرى صيام يعتبر بمثابة «رأس الحكمة» التى يستعين بها المجلس فيما هو قادم من جلسات.
رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق رأى فى أسباب استقالته أنه تعرض لـ«التهميش» داخل المجلس، واعتراضًا على «المناخ العام» الذى لا يساعده على تقديم ما لديه من خبرة.. فما التهميش الذى تعرض له تحديدًا والمناخ العام الذى لا يساعده؟، هل عدم اختياره فى لجنة ما يعتبر تهميشًا؟، وهل الارتباك فى أولى الجلسات يعد مناخًا عامًا مستمرًا؟
وحسبما قاله وكيل مجلس النواب، السيد الشريف، ردًا على استقالة المستشار سرى صيام، فإنه لم يحدث أى تهميش للمستشار داخل مجلس النواب، و«نحن فى فترة تحتاج إلى كل الخبرات التى تساعد على بناء مصر من خلال مجلس النواب»، مطالبًا بتآلف القلوب داخل البرلمان، ووضع قواعد للعمل المشترك خلال الفترة المقبلة من أجل بناء الدولة المصرية.
فمعنى أن تستقيل من مجلس الشعب أو مجلس الأمة أو مجلس النواب، فلابد أن تكون هناك أسباب مقبولة ومنطقية ومعقولة، تتعلق بقضايا مهمة ومصيرية يستقيل بسببها النائب أو العضو، ولم يسبق أن استقال عضو أو نائب من البرلمان.
ومعنى أن عضوية البرلمان لم تحقق الطموح المطلوب فى الوصول إلى مقعد أعلى المنصة، والتعامل بحيثية محددة ليس مبررًا للاستقالة، فخدمة الوطن يؤديها الإنسان فى أى منصب وأى مكان، ومعركة الديمقراطية تحتاج إلى جنرالات وجنود أيضًا حتى لو بينهم قادة عظام!
إعادة الحسابات مرة أخرى هى المطلوب من المستشار سرى صيام للعدول عن استقالته من أجل «المصلحة العامة» وليس «المصالح الشخصية»، فهو مقدر من الجميع، وهو «قاضى القضاة»، ذلك اللقب الذى أطلقه محبوه، وهو يعتبر نفسه قاضيًا غير عادى، وهو ما تؤكده شهادته والمناصب التى وصل إليها، علاوة على العديد من الكتب التى ألفها ونشرها، منها «الحبس الاحتياطى فى التشريع المصـرى»، و«مدونة التقاليد البرلمانية منذ بدء الحياة البرلمانية فى مصر وحتى سنة 1982»، و«موسوعة المبادئ الدستورية» أربعة أجزاء، مطبوعات مجلس الشعب.