التاريخ يفتح أبواباً للمصالحة مع كل أخطاء حكام مصر إلا مرسى وأهله وعشيرته
خمس سنوات بالتمام والكمال تمر اليوم على خطاب اللواء عمر سليمان «أيها المواطنون، فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد، قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، والله الموفق والمستعان»، وعاشت بعدها البلاد سنوات عصيبة إلى أن بدأت سفينة الوطن فى الاستقرار، والدروس المستفادة فى ذكرى هذا اليوم كثيرة..
أولًا: لا يقبل المصريون من حكامهم فكرة السلطة العائلية، وكانت هواجس التوريث التى لم تتأكد أو تُنفى سببًا مباشرًا فى الغضب الذى أدى لهذا اليوم، ولا يقتصر الأمر على الأبناء، بل امتد إلى لقب السيدة الأولى، فرغم أعمال السيدة سوزان مبارك الخيرية الجليلة، فإن سهام النقد طاردتها، مثلما كان الأمر مع السيدة جيهان السادات التى انتزعت اللقب من أم كلثوم، وعلى العكس فقد نالت السيدة تحية عبدالناصر كل الاحترام والتقدير، لالتزامها بأن تكون زوجة الرئيس فى المنزل، وليس فى أروقة السلطة.
ثانيًا: مصر لا ينفع أن يحكمها حزب واحد، يحتكر الحكم ولا يترك للآخرين متنفسًا سلميًا للمشاركة، وكانت خطيئة الحزب الوطنى الاحتماء خلف الأغلبية الوهمية التى تساقطت كأوراق الخريف، وكشفت عن عجز النظام الانتخابى فى تجسيد إرادة الجماهير، وأثبتت مشروعية حق الأحزاب فى الوصول إلى الحكم عبر صندوق انتخابى نظيف، لا تشوبه اتهامات التزوير والتزييف، و«لا ينام فى العسل» معتمدًا على سلطة تدعمه، ويهرول إليه الباحثون عن المزايا والمنافع.
ثالثًا: عزل الحاكم عن آمال شعبه وطموحاته يعجّل بالنهاية، ويحدث ذلك عندما يتم حصار الرئيس داخل دائرة رجال الرئيس، فلا يستمع إلا لصوتهم، ولا يقبل إلا نصيحتهم ومشورتهم، حدث ذلك مع مبارك فى سنوات حكمه الأخيرة، وأيضًا مع السادات فى أحداث 5 سبتمبر الشهيرة، ولو اتسعت دوائر المشاركة، وتعددت قنوات الاتصال، كان يمكن تجنب النهايات المؤسفة، فلا مستقبل للإقصاء الاحتكارى، ولا للإبعاد السياسى والهيمنة المفرطة، وإنما بفتح آفاق المشاركة السياسية للجميع، وأن يكون رئيس مصر ملكًا لكل المصريين، المعارضين قبل المؤيدين، والغاضبين قبل السعداء.
رابعًا: المصريون قد يصبرون على الجوع، لكنهم لا يقبلون انتهاك كرامتهم الإنسانية وكبريائهم الوطنى، وكلما كان الخطاب السياسى لرئيس البلاد محفزًا على العزة والإباء، ومستنهضًا روح الأصالة المصرية، اقترب من مشاعر الناس وأحاسيسهم ونال رضاهم، وهذه النزعة هى التى ميزت عبدالناصر من بين كل حكام مصر السابقين، فغفروا له هزيمة يونيو وجددوا التفويض، ابتغاء لتحرير الأرض واسترداد الكرامة الجريحة.
خامسًا: التاريخ يفتح أبوابًا للمصالحة مع كل أخطاء حكام مصر، إلا مرسى وأهله وعشيرته، لأنهم أرادوا ابتلاع الوطن فابتلعهم الشعب، وحاولوا تمزيق نسيج القوة الناعمة المصرية، فالتفت حول رقابهم مثل أذرع الأخطبوط، فدولة بحجم مصر وشعبها وتاريخها وحضارتها لا يمكن سرقتها فى الظلام، ولا يمكن حبس شعبها خلف أسوار التطرف والرجعية والظلام.
أخيرًا: يبقى جيش مصر هو الطرف الآمن فى المعادلة، لا يتدخل فى الشؤون الداخلية إلا إذا حل بالوطن خطر جسيم، يهدد سلامة الشعب وأمنه واستقراره، جيش الشعب الذى لا ينحاز إلا للشعب، خصوصًا فى وقت الشدائد.