عاشت مصر فى الأيام القليلة الماضية أجواء حرب حقيقية، بالتزامن مع الاستعداد لإقامة مباراة الأهلى والزمالك، وللأسف فإن التعصب وافتعال الأزمات كانا هما السمة الغالبة فى هذه المعركة، فقد شهدنا الكثير من الممارسات الرجعية التى زادت من جرعات التعصب، وأدت إلى مضاعفة شحنات الاحتقان، والأهم هو أنها أسهمت فى الترويج للخرافات والخزعبلات، فإلى جانب الحرب المعلنة بين الفريقين حول الاستاد الذى ستقام عليه المباراة، أو حتى الحرب الفنية المتعلقة بالتشكيل والخطة، كانت هناك فى الخلفية حرب أخرى بالشائعات والتصريحات والممارسات التى تؤكد أن «السحر» عاد من القرون الوسطى، وأصبح متحكمًا فى نتائج المباريات، وليس الجهد والعرق والتخطيط والإعداد والتدريب.
تصريحات من هذا الجانب تؤكد أن الأهلى يفوز بالسحر والحكام، وتصريحات من الجانب الآخر تقول إن الزمالك هو الذى يستعين بالدجالين والمشعوذين، وإن لاعبى الأهلى يتحصنون من هذه الأعمال السفلية بقراءة القرآن، وهذا ينكر، وهذا ينكر، وعلى الجانب الآخر يقف بعض الإعلاميين الرياضيين الذى ينتمون إلى «إعلام مارى منيب» ويرفعون شعار «طوبة على طوبة خلى العركة منصوبة»، حتى يقصوا على المشاهدين حواديت السحرة والمشعوذين فى أفريقيا، فهذا يدعى أن سحرة أفريقيا جعلوا اللاعبين «عميانًا»، وهذا يدعى أن السحر المدفون فى أرض الملعب جعل اللاعبين غير مستقرين فى المباراة، فى مباراة أخرى بطلها الغيب، وحكمها الدجل، ومشاهدوها من المغيبين، ومشجعوها من المجاذيب.
لك الله يا مصر، لك الله يا بلد يعانى من تخلف النخب فى الوقت الذى تراهنين فيه على أن تنهض بك النخب.. هنا تبرز السطحية وتتسيد الغفلة، هنا إعلام يكرس للخرافة، ويجر مصر إلى عصور الظلام فى الوقت الذى تتهيأ فيه إلى النهوض من الكبوات، فى كل العالم تتخلص الأندية والمنتخبات من مفردات «الحظ» و«التوفيق» و«البركة» و«الصدفة»، فى مقابل إعلاء قيمة «التدريب» و«الخطط» و«الاستعداد» و«الشحن» و«المهارات» و«القدرات»، لكن فى مصر فحسب، يعتمد الإعلام لغة الدجل والشعوذة، ويتفوه المسؤولون الرياضيون بكلمات وتصريحات تتعامل مع السحر باعتباره حقيقة لا تقبل الشك، متجاهلة ما للعلم والعرق من آثار حقيقية يلمسها كل عاقل.
لا أريدك هنا أن تحسب أننى غير مؤمن بـ«السحر» فى كرة القدم، أو أننى كفرت بذلك الوصف العبقرى المسجل باسم المعلق الرياضى الكبير ميمى الشربينى لكرة القدم حينما أطلق عليها اسم «الساحرة المستديرة»، لكن السحر الذى أؤمن به فى كرة القدم يختلف تمامًا عن ذلك السحر الذى يروج لها الإعلام الرياضى فى الفضائيات، أو الذى تلوك به أفواه المسؤولين الرياضيين، وينتمى إلى نوعية نادرة من السحر الحقيقى، مثل الذى مارسه اللاعب الجابونى، ماليك إيفونا، القائم على المهارة الفذة وسرعة البديهة وحسن التصرف فى هدف عالمى تحدى به الطبيعة، وأثبت أن «الكترة لا تغلب الشجاعة».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة