سهيلة فوزى

دارفور.. وجع فى قلب السودان "2"

الجمعة، 12 فبراير 2016 06:06 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تلقيت بعد المقال السابق الذى يحمل نفس العنوان تعليقات تحمل رأيان متعارضان، الأول يحث على البحث عن حلول لمشكلة دارفور التى بدت فى المقال أنها مشكلة بلا حل، أما الاتجاه الثانى من التعليقات فاكتفى بوصف المقال بأنه لكاتبة مصرية جاهلة، وسطحية تحشر أنفها فى الشأن السودانى بلا علم، ولا تدرى عنه إلا القشور، لذلك إحتراما للرأى الثانى ، وتقديرا للمشاعر الرافضة لكتابة مصريين فى الشأن السودانى، ولأن التاريخ الإنسانى ميراث مشترك للبشرية ليس حكرا على أصحابه، قررت الأخذ بالرأى الأول -محبةً فى جيراننا الأقرب، وإيماناً بأن تاريخ السودان أولى بالمعرفة- محاولةً البحث فى أسباب أزمة دارفور، وسبل حل النزاع.

ذكرت فى المقال السابق أن دارفور حديثة العهد بالسودان، لأن الإقليم كان سلطنة مستقلة حتى عام 1874 وقت سقوطها على يد إسماعيل باشا، والزبير قادة الجيش المصرى، وقتل آخر ملوك دارفور.

فى هذا المقال عرض لتاريخ دارفور ما قبل السقوط، وأحوالها، وطبيعة النزاعات التى كانت قائمة لعدة قرون، وبالرغم من قلة المعلومات عن تاريخ دارفور القديمة ما قبل السقوط تحت الحكم المصرى، إلا أن الرحالة الألمانى جوستاف ناختيقال قدم معلومات قيمة عن دارفور، وتاريخها بعد زيارته لها 1874 قبل أشهر من سقوطها، وطلب من الملك إبراهيم آخر ملوك دارفور التجول فى البلاد لجمع معلومات عنها، ولكنه رفض لما ساد وقتها من توترات الحرب مع المصريين، وكراهية أهل البلاد للأجانب بشكل عام، ولكن الملك إبراهيم أمده بمن هم أعلم بتاريخ دارفور لينقل عنهم، وسمحت فترة تواجد ناختيقال فى دارفور بالاختلاط المباشر بأهلها -وإن كان قليلا و- التعرف عليهم، حيث توالى على حكم دارفور ثلاثة قبائل هم الداجو والتنجور والكيرا.

حكام "الداجو" كانوا يعيشون فى جبل مرة، ولم تكن سيطرتهم مطلقة على المناطق المحيطة، ولكن كان حكام الفور، والقبائل الأخرى يدفعون الضرائب إلى سلطان الداجو، مع احتفاظ القبائل باستقلاليتها بسبب طبيعة أرضها الجبلية، وكان وقتها جبل مرة هو قلب دولة دارفور، ولم يتعد حكام الداجو حدوده، وقال عنهم ناختيقال أنه بالرغم من أن ملوك الداجو كانوا يتصفون بأسماء عربية إلا أن الروايات التقليدية المتداولة عنهم لا تنسبهم إلى أى دم عربى.

انتقل الحكم بعد "الداجو" بدون أى أعمال عنف إلى "التنجور"، وترد الروايات نسبهم إلى قبيلة بنى هلال الشهيرة بتونس وبالرغم من وجود قبائل التنجور فى أكثر من مكان داخل وخارج دارفور وبلا اتصال بينهم إلا أن جميعهم يردون نسبهم إلى بنى هلال العربية، اشتهر عن "التنجور" أنهم كانوا أكثر تحضرا من الداجو، و ينسب لهم إدخال اللغة، والعادات العربية إلى دارفور، وكانت سيادتهم كسابقيهم من "الداجو" كاملة على الجبل وجمع الضرائب من القبائل.

انتقال الحكم من "التنجور" إلى "الكيرا" لم يكن سهلا كسابقه بعد أن تولى الملك شاو آخر ملوك "التنجور" الحكم ونال غضب عامة شعبه وأعيانه لحملاته العسكرية المتكررة مما دفعهم إلى حث أخيه "دالى" إلى الاستيلاء على الحكم، وبالفعل رضخ لمطالبهم، وقاتل "شاو" وانتصر عليه، وفر مع بعض جنوده وأهله، ولكنه أدرك الهزيمة فأمر الجميع بالرجوع ،قائلا: "أمضوا إلى مليككم الجديد .. الملك دالى" ولم يعثر عليه بعدها.

وكان "دالى" أخ غير شقيق لشاو، وكانت أمه تنسب إلى الكيرا -وهم من فروع الفور- وانتسابا إلى أهل أمه بدأ حكم "الكيرا". "

"الكيرا" هم أصحاب الحكم الممتد حتى سقوط المملكة فى أيدى الأتراك والمصريين، وكان لهم الفضل فى ترسيخ الشكل الإدارى للسلطنة بعد أن قسمها "دالى" إلى 4 إداريات هم- دار دالى شرقا دار أما جنوبا، دار الريح شمال، ودار الغرب، وأسس القوانين الجنائية المتمثلة فى غرامات من الإبل وفقا لفداحة الجرم المرتكب.

ويرجع الفضل فى انتشار الإسلام بدارفور إلى عهد الملك سليمان صولون الذى تولى الحكم من1596 إلى 1673 ،أخضع خلالها الكثير من القبائل المتمردة مثل الأورو والبرقد والزغاوة والتنجور، ولكنه لم يفلح فى إخضاع كل فروع المساليت أبرز القبائل المتمردة ضد سلطانه.

بعده جاء ابنه موسى الذى قاد حروب مع قبائل المسبعات فى كردفان، حيث كانت تقع وقتها تحت نفوذ دارفور لكنهم رفضوا الخضوع له، ثم أحمد بكر1682) ـ 1722) سعى لتوطيد أركان الدولة الإسلامية فى دارفور، ويعد أهم ملوك الكير وأكثرهم نشاطا فى تنمية دارفور وله الكثير من الانجازات فى سبيل ذلك منها جلب العلماء والفقهاء، وبناء الجوامع، والمدارس، وألزم سكان دارفور مراعاة ثلاثة فروض إسلامية، الختان وصوم رمضان والصلاة.

حاول أحمد بكر جاهدا نشر التحضر بين أهل دارفور بدعوة قبائل أجنبية أكثر تحضرا، وتقدما للإقامة بدارفور وضمن لهم حق التملك والإعفاء من الضرائب.

فى هذه الفترة جاء إلى دارفور أعداد كبيرة من القبائل المهاجرة كالفلاتة، والعرب، والولالا، وأهل وادى النيل ، وظل ملوك الكيرا يخوضون حروبهم ضد القبائل التى تعلن التمرد أى ترفض الخضوع لسلطان الملك، وترفض دفع الضرائب، إلى أن جاء الملك محمد الفضل الذى اشتهر عنه البطش بالقبائل العربية، وكان يثير الملك قوة ونفوذ بنى هلبة فغزاهم، وكسر شوكتهم فيما عرف بمذبحة بنى هلبة، ثم قبيلة العريقات التى أثارته بسخريتهم من صغره، وأرسل إليهم جيشا هزمهم، وأحضر سبعة من زعمائهم أعدمهم جميعا، ولم تعد العريقات التى تعيش كقبيلة متصلة فى دارفور ، ولكن انتشر أفرادها بين القبائل خاصة المحاميد.

وكانت الرزيقات، ثالث القبائل التى تعرضت لبطش الفضل، ولكن طبيعة منطقة الزريقات فى الجنوب أعاقت حكومات دارفور على اختراقها.

وجاء بعد الفضل ابنه حسين الذى أكمل حملات والده على القبائل العربية التى كانت دائمة الخروج عليه ، حتى أن فى عهده تم شن 18 حملة على الزريقات بلا نتيجة تذكر، وبالرغم من حصول الملك حسين على فرمان من الباب العالى العثمانى فى عهد السلطان عبد الحميد والسلطان عبد العزيز بعده يضمن له استقلال دارفور تحت مظلة الباب العالى، إلا أن هذا الفرمان لم يحمى ولده إبراهيم من بعده من غزو القوات المصرية لدارفور وإخضاعها للحكم المصرى.

وعن سقوط دارفور قال ناختيقال أن "الفور" بوثوقهم الزائف المغالى فى أنفسهم لم يستطيعوا تقدير الحجم الحقيقى لقوة مصر مقارنة إليهم، وقتل الملك إبراهيم آخر ملوك دارفور فى "منواشى" وانتصر المصريين بقيادة إسماعيل باشا والزبير.

وبذلك فإنه على الرغم من التعدد العرقى الواضح بين سكان دارفور، إلا أن النزاعات لم تقم بالأساس للاختلاف العرقى،ولكن لبسط النفوذ والسيطرة ،وإخضاع القبائل المتمردة على مدار القرون الممتدة لمملكة دارفور لإلزامها بدفع الضرائب للملك.

أما العداء للقبائل العربية فى عهد "الفضل" أعتقد أكثر أنه كان على خلفية تمرد تلك القبائل ،ورفضهم الخضوع لسلطان الملك الشاب، وليس لأسباب عرقية خالصة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة