لست من مهاويس الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وأيضًا لست من دراويش ما حدث فى 25 يناير 2011، والتى أدت إلى تنحى مبارك عن الحكم، وإذا كنت لا أستطيع أن أصف ما حدث فى يناير بأنه ثورة، ودائمًا ما أعتبره انقلابًا إخوانيًا، خاصة بعد أحداث يوم 28 يناير 2011 المعرف للجميع بـ«جمعة الغضب»، فإننى أيضًا لا أستطيع أن أصف حسنى مبارك بأنه قديس أو حاكم عادل، فهذا الرئيس هو الوحيد الذى جاءته فرصة من ذهب لكى يحول مصر إلى دولة متقدمة، ليس فقط على المستوى العلمى والتكنولوجى فقط، بل فى آلية الحكم، وتحويل مصر إلى واحة من الديمقراطية، وكنا وقتها لن نلجأ إلى 25 أو 28 يناير 2011، وبالتالى لم نكن سنصل إلى 30 يونيو 2013، وهو ما يعنى أن حكم الثلاثين عامًا أفرز ديكتاتورًا فاسدًا، وحاشية أكثر فسادًا، وشعبًا يحيا على دين ملوكه، فإذا كان هذا الحاكم فاسدًا فهو أشد فسادًا منه، وإذا كان هذا الحاكم ظالمًا كان هو أشد ظلمًا منه.
والحقيقة إننى مؤمن إيمانًا كاملًا بأن شعبنا سيظل تابعًا لحكامه إلى أن يقضى الله أمرًا كان مفعولًا، وأعتقد أن العيب فى ثقافة وتربية هذا الشعب الذى يحتاج ثورة داخلية قبل أن يعيش وهم أنه صنع ثورتين، والدليل أنه وفى ذكرى تنحى مبارك عن الحكم وجدت مجموعة من مهاويس هذا الحاكم الطاغية يخرجون لنا بعبارة «سبت وراك فراغ كبير»، ولا أعرف أى فراغ لحاكم أعطاه الله حكم مصر لمدة 30 عامًا فشل فيها أن يحولنا إلى أقل دول العالم تقدمًا، مثل الهند وتركيا وإيران وماليزيا، ولن أقول أمريكا أو اليابان أو فرنسا أو إنجلترا، فالرئيس المخلوع الفاسد مبارك أخذ البلاد وهى شبه محررة من الاحتلال الإسرائيلى، ولم تكن عليه أعباء حرب مع هذا الكيان الصهيونى، كما كان أسلافه عبدالناصر والسادات، كما أنه حصل على مليارات الدولارات من المنح الأمريكية على خلفية توقيع السادات لمعاهدة كامب ديفيد، ولو استثمر هذه المنح فى بناء وطنه لما وصل بنا الحال إلى ما هو عليه الآن. ولو نفذ مبارك خطة لإعادة النظام والالتزام فى الشارع، وتطبيق القانون لردع كل بلطجة وتخريب وإهدار مال عام.. من إهلاك للطرق، وتفشى ظاهرة القمامة فى شوارعنا، وتدهور كل الخدمات المرورية، وانهيار شبكة المواصلات، بالإضافة إلى المطالب العادلة للغلابة فى مصر من تحسين كل أنواع الخدمات، لربما لم يكن يحتاج لتدخل الجيش لخلعه فى 11 فبراير 2011 ولتحول إلى رئيس أسطورة، ولما كنا حاكمناه كما يحدث الآن.
كان من الممكن أن يكتفى هذا المبارك بثلاث فترات حكم لمصر، بشرط أن يضع خطة لتطويرها وتحديثها وتحويلها إلى دول إنتاج وعمل، وليس إلى دولة فساد وإهمال وإرهاب، وربما لو كان قد فعل هذا لخلعه شعبه، ولما قد سمع عبارات الهجوم على حكمه، كما فعل الرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى حيث قال فى أحد لقاءاته بعدد من الصحفيين والمثقفين والعلماء: «أقول بمنتهى الصراحة، وكنت أقولها وأنا فى الجيش فى ظل حكمه، إن حسنى مبارك منه لله هو اللى خرب البلد، وكان لازم يمشى من 15 سنة أو أكثر، قبل أن نسقط فى هذا الخراب والانهيار فى كل مؤسسات مصر، وكنت أتمنى أن يترك الحكم بدون ثورة، لأن الثورة للأسف أتت فأكملت على البقية الباقية من مصر»، والحقيقة أن هذه العبارة هى شهادة حقيقية للسيسى على نظام حسنى مبارك، هذا الرئيس الفاسد الذى كان بيده إصلاح الأمة اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، لكنه لم يفعل، وظل يماطل لأكثر من 30 عامًا أساء خلالها لتاريخه العسكرى ولأبناء أمته، فاستحق هذا الرئيس أن تتم الإطاحة به، وإنهاء حكم الأسرة المباركية التى أصبحت نموذجًا لكل حاكم فاسد يحاول النصب على شعبه.
هذا هو مبارك المفترى علينا، لأنه حكم وأساء فى حكمه فتم خلعه، ولولا نجاح الإخوان فى السطو على كرسى الحكم واختيار هذا الشعب- الذى يحتاج لعالم نفسى- رئيسًا فاشيًا اسمه محمد مرسى خلفًا له لما كنا سمعنا من مهاويس مبارك عبارة «سبت فراغ كبير»، ولكن هذا هو حال الدول المتخلفة التى يحتاج شعبها لثورة داخلية، وأن نخلع كل ما هو قبيح من داخلنا قبل أن نفكر فى خلع من يحكمنا، لأننا لو خلعنا ألف مبارك وظل هذا التخلف بداخلنا فإننا لن نشعر بأى تقدم حتى لو حكمنا حكام برتبة أنبياء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة