عندما يحضر الفلانتين يبطل الحديث فى السياسة.
دعونا نتحدث اليوم عن الحب
الحب بمعناه الحقيقى، وليس بما يقصده المحتالون.
فلا توجد كلمة تم الاحتيال عليها أكثر من الحب. فباسم الحب ترتكب كل الجرائم، وتروى كل الأكاذيب.
أتحدث عن ذلك الشعور الذى يقذف بصاحبه إلى الجنة دون أن يراها، أو إلى النار دون أن يدخلها.
أن تعيش فى تلك المساحة بين الحياة والموت؛ فلا أنت على قيد الحياة، ولا أنت فى عداد الأموات.
أن تتلخص الدنيا فى شخص؛ فتتوقف عليه سعادتك أو شقاؤك.
أن تجد نفسك مسلوب الإرادة، منساقًا، لا تملك من أمر نفسك شيئًا، غير قادر على اتخاذ موقف، غير قادر على البقاء، وغير قادر على الرحيل.
فإن استطعت أن ترحل فأنت لم تحب.
أن تعيش فى فضاء لا يعيش فيه أحد سواك، فتعرف ماذا يعنى بدقة ذلك الشعور بأنك تطير فى الهواء.
أن تعرف ماذا تعنى تحديدًا كلمة اللوعة التى كنت تراها صبيًا كلمة بلا معنى، يتغنى بها أناس لا يفقهون شيئًا.
أن تعرف المعنى الحقيقى للذل، دون أن تكون قادرًا على اتخاذ موقف يرد لك اعتبارك.
فإن دفعتك كرامتك لأن ترحل فأنت لم تحب.
أن تحب شخصًا ليس لأنه أفضل من غيره، فلربما تراه أسوأ شخص على الأرض. ومع ذلك فأنت غير قادر على أن تتركه وتذهب لذلك الشخص الأفضل.
أن تشعر بأنك تعيش فى عالم افتراضى لا وجود له، عالم لا يعيش به شخص آخر سوى الحبيب، فتنحصر به وحوله كل اهتماماتك.
أن تحب أشياء لم تكن تحبها، وتذهب لأماكن لم تكن لتذهب إليها، وتفعل أشياءً ليس لها ما يبررها.
أن تحب كل من يحملون ملامحه، كل من يتحدثون بطريقته، كل من يحملون عينيه، كل من يشبهون صوته.
أن تجعلك رسالة أو تليفون أو كلمة أسعد شخص فى الوجود، أو أتعس شخص فى تاريخ البشرية.
أن تعرف ماذا تعنى تحديدًا كلمة الانسحاق، التى كنت تظنها يومًا بلا معنى.
أن ترحل فى لحظة شجاعة، فتشعر وكأن أحدهم نزع عنك روحك، وخلع عنك قلبك، وأشعل النيران فى جسدك حيًا، فتعود صاغرًا تبحث عن طريق للصلح يُكفيك كل هذا العذاب.
أن ترحل فى لحظة غضب، فتشعر بعظامك تتفتت، تنسلخ، تنكسر وتكاد تسمع بأذنيك صوت تكسرها، ويهيئ إليك أن أحدهم ينزع عمودك الفقرى ويكسره أمام عينيك، فترى الموت عذابًا دون أن تفارق الحياة. فتعود ذليلاً تتحسس للحبيب طريقًا يفتح عتابًا فعودة إلى عذاب دونه الموت.
أن تشعر طوال الوقت بأن النار مشتعلة فى جسدك حيًا، دون أن تملك حيلة لأن تطفئها.
أن تشعر بالذبح دون أن ترى الدماء تتساقط من عنقك. فلا أنت ميت، ولا أنت تشعر بالحياة. فتعرف وقتها كيف يكون الدعاء إلى الله بالرحمة.
أن تشعر بروحك تخرج ولكنك لا تموت أبدًا.
وبعد كل هذا تجد من يقول لك (أنا لا أحب لأن الحب ضعف) وكأنه يختار بإرادته متى يحب ومتى ينجو بنفسه.
فإذا كان بإمكانه أن يختار فهو لم يعرف الحب.
أتحدث عن ذلك الحب الذى لا يقصده عموم الرجال، بل عن حب تعرفه النساء جيدًا، وعدد قليل جدًا من الرجال ربما لم تصادف أحدهم فى حياتك. أو صادفته فرأيته رجلاً مختلاً.
ربما يرى كثيرٌ من الرجال ما ذكرته عن الحب كلامًا منافيًا للمنطق. ضعفًا ليس له ما يبرره. ولكن النساء يعرفن جيدًا ذلك الحب الذى تحدثت عنه.
معذورة النساء فى أن ترى الرجل كائنًا لا يحب، فكل عذابات المرأة جاءت من رجل لم يعرف كيف يحب.
الرجل يحب بعقله، أو بغريزته. ولكنه لا يحب بقلبه. فكفى بالرجال أنهم بارعون فى أحاديث الحب، لا تفاصيله.
الرجل تعجبه امرأة، تغريه امرأة، تجذبه امرأة. وغدًا يميل لأخرى. فلا هو يشعر بالعذاب تجاه المرأة الأولى، ولا باللوعة تجاه المرأة الثانية. ومن لم يشعر بالعذاب، ولم يعرف ما تعنيه تحديدًا كلمة اللوعة فهو لم يحب.
أتعجب لرجل يقول إن الحب هو التعويض العادل لكل عذابات الحياة: فإن أحب امرأة خانها مع أخرى أو أخريات. فإن رأت عيناه امرأة أخرى فهو لم يحب.
أتعجب لرجل يقول إنه أحب امرأة ثم يتركها لأنها تتعارض مع ظروفه أو مستقبله أو مصالحه أو أفكاره. فإن استطاع أن يرحل ولم يشعر بأنه يعيش فى تلك المساحة بين الحياة والموت فهو لم يحب.
تعيش المرأة تبحث عن الحب، ولا تتعلم منه أبدًا. ويعيش الرجل يتحدث عن الحب ولا يقع فيه أبدًا.
الحب ابتلاء من الله. لا تستطيع أن تأتى به أو تمنعه. ابتلاء قد يحمل لك سعادة لن تساويها سعادة أخرى فى الحياة، أو شقاء لا يساويه عذاب آخر فى الحياة.
فإن شفاك الله منه، ونجوت وأنت على حافة الموت، تبتهل لابتلاء جديد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة