شيوع الخطأ لا يجعل منه حقيقة، هذا هو الدرس الذى يجب أن نتعلمه من «درس القارئ المدعى» الذى خدع مصر كلها، موهما الجميع بأنه حصل على المركز الأول فى المسابقة العالمية للقرآن الكريم، ثم اكتشفنا فجأة أن هذا الطالب لا يقول الحقيقة، وأنه لم يسافر أصلا إلى ماليزيا، وبالتالى لم يدخل إلى حلبة المنافسة، ولم يفز، فقد انتشر خبر حصول هذا الطالب على المركز الأول أولا على الفيس بوك، سرعان ما تحول الأمر إلى مكايدة شعبية للإعلام الذى لا يهتم إلا بـ«الرقاصات»، وكرد فعل تطهيرى، بالغ البعض فى الاحتفاء بهذا الحدث «الكاذب» وأصبح هذا القارئ المدعى حديث الساعة ومقصدا لمعدى البرامج الفضائية، ثم بين ليلة وضحاها أصبح هذا القارئ نجما كبيرا فى عالم الصحافة والإعلام، قبل أن يتم افتضاح أمره على يد القارئ الشيخ «عبدالفتاح الطاروطى» الذى قال إن هذا القارئ لم يدخل إلى غمار المسابقة برغم هذه الهالة الإعلامية الكاذبة، وهنا تم كشف الأمر كما تم التحقق من كذب ادعاء الطالب الذى أحاله «الأزهر» إلى التحقيق.
من الممكن أن تمر هذه القصة كما مر غيرها، ومن الممكن أن تتكرر هذه القصة كما تكرر غيرها أيضا، فمنذ فترة ليست بالكبيرة ظهر شخص فى بعض وسائل الإعلام، مدعيا أنه «الذراع اليمنى» للطبيب العالمى مجدى يعقوب، وادعى أنه «خليفته فى الملاعب»، وأنه حصل على الماجستير والدكتوراه فى وقت قياسى، ثم تم افتضاح أمره أيضا دون أن نتعلم من القصة الأولى، فوقعنا فى الكارثة الثانية.
مرة أخرى نقول إن شيوع الخطأ لا يجعل منه حقيقة، وأن الإعلام مادام يتمتع بكل هذه السطحية وعدم التحقق فإننا معرضون لأن نصبح الباب الرسمى لراغبى النصب الحرام، والمدعين والمزيفين، وللأسف لم يتحقق أحد من ادعاء هذا الطالب لاشتراكه فى المسابقة، ولم نظفر بصورة أو فيديو تفيد تصديق هذا الادعاء، ولم نطالع سوى صورة له وهو ممسك بعلم مصر، وكأن الإمساك بالعلم جليل على تشريف مصر فى المحافل الدولية فأى كارثة وقعنا فيها؟ وأى «عته» نعانى منه؟
بعيدا عن قصة هذا القارئ ودروسها، يتوجب على أن أقول لك إننى أثناء مطالعتى لتفاصيل القضية وقفت كثيرا حول فكرة أن إندونسيا هى التى تقيم هذه المسابقة، وأن قراء العالم أجمع يتنافسون من أجل الاشتراك فيها أو الفوز بها، وفى الحقيقة فإن هذا الأمر أحزننى كثيرا، فكيف تغيب مصر عن هذا الدور فى رعاية القرآن الكريم وتلاوته وتجويده؟ وكيف مرت على المسؤولين المصريين مسألة انسحاب مصر من دورها التاريخى فى تجويد القرآن الكريم وهى التى اخترعته ونشرته إلى كل ربوع العالم؟ ثم أين دور وزارة الثقافة فى الحفاظ على هذا الدور التاريخى الذى يمتزج فيه الفن بالدين والموسيقى بالتاريخ؟