فى المجموعة القصصية «موت قارع الأجراس» للكاتب الكبير محمد جبريل، استوقفتنى قصة قصيرة عنوانها «سندس» تحكى عن شاب مصرى يزور تونس، وهناك يلتقى بفتاة تساعده على التعرف على المدينة الجميلة، قصة بسيطة فى لغتها وفى بنائها، لكننى خرجت من قراءتها بشكل آخر غير الذى دخلت به، خرجت مؤمنا بأن الكتابة الحقة هى تلك التى تترك أثرها العميق على روحك، وتجعلك تقريبا تتوصل لرؤية معينة عن ذاتك.
والأهم أنها تجعلك تفكر كثيرا وبشكل دائم فى الكتابة، حتى إننى لا أخفى سرا أننى دائما ما أقول لنفسى ذات يوم سوف أكتب رواية أو قصة شفافة الروح واللغة، مثلما فعل محمد جبريل.
والكاتب السكندرى الكبير محمد جبريل، يمكن من خلال متابعة أزمته الصحية معرفة كيف تتعامل الدولة مع المثقفين، وكيف أنها لم تنتبه إليهم إلا على استحياء، فمنذ مرضه تدخلت أطراف كثيرة كى تتم معالجة الكاتب الكبير على نفقة الدولة حتى قام المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء السابق، فى شهر يونيو الماضى، بالموافقة على سفر الأديب الكبير إلى ألمانيا، لإجراء الجراحة اللازمة لحالته بالعمود الفقرى، على أن تتحمل الدولة مصاريف السفر ونفقات العلاج بالخارج، إلا إن المستشار الخاص بمجلس الوزراء قال: إنه لا يوجد مركز طبى بـ«فرانكفورت»، كما أن الحكومة ستتحمل 12 ألف يورو من نفقة العلاج فقط، وبدون مرافق.
وأهل العلم يحددون إن كان هذا المبلغ كافيا أم لا، لكن الذى يعرفه الجميع أن سفر «جبريل» دون مرافق لا يجوز، فهو لا يستطيع الحركة بمفرده، وهكذا ظل الأمر غير منتهى، والمماطلة تقوده حتى اليوم عندما أعلن الشاعر الإماراتى حبيب الصايغ، رئيس اتحاد الكتاب العرب، أن «جبريل سيتم علاجه على نفقة دولة الإمارات».
فى الحقيقة لا أعرف هل هذا الأمر جيد أم لا؟ لكننى أعرف أن الشكر لحبيب الصايغ فى هذا الأمر ضرورة وهو يستحقه، لكن أن تتأخر مصر عن علاج أبنائها حتى يأتى آخر شقيق أو غير ذلك ليقوم بدورها، هذا أمر ليس جيدا بالمرة، وربما يفيد فى حالة فردية، لكنه لا يجوز أن يكون طريقة حل نعتمد عليها.
لا يجوز لمثقفينا وكتابنا الكبار ولا حتى المبتدئين أن تصبح ظروفهم الصحية والاجتماعية عرضة للتعاطف، نريد الحق لا نريد المنح، ونريد أن تقوم الدولة بدورها، وهذا هو الحق الضائع من الجميع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة