كيف نستفيد من تاريخ وتجربة هيكل؟.. تتفق أو تختلف معه لكن سيظل الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل نموذجا للصحفى الباحث دوما عن الخبر أينما كان، من خلال نسج شبكة علاقات سياسية واجتماعية تجعلك دوما مطلعا على كل جديد، بل ومشاركا فى صنع الخبر أو الحدث فى بعض الحالات.
الأستاذ هيكل يمثل أحد الحالات الاستثنائية فى تاريخ الصحافة العربية، فهو استطاع أن يمزج بين العمل الصحفى والسياسى، خاصة حينما كان قريبا من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكان بمثابة مستشاره الخاص وكاتم أسراره أيضا، وهى صفات قلما تتوافر للصحفى فى وطننا العربى، حيث ما زالت النظرة للصحافة على أنها بمثابة العدو الذى لا يؤتمن على خبر ولا سر، لكن هيكل صنع علاقة فريدة مع عبدالناصر مكنته من أن يكون مطلعا على أدق أسرار الدولة، بل وحاملا للرسائل السياسية بينه وبين زعماء آخرين، فارتبط بعلاقات قوية داخل مصر وخارجها ظل محافظا عليها حتى قبل وفاته.. نعم شهدت بعضها توترات وشدا وجذبا، لكن فى النهاية لا يملك الجميع حتى من اختلفوا معه إلا احترامه، وتقدير شخصيته ودوره فى النهوض بالصحافة المصرية والعمل الصحفى بشكل عام فى الوطن العربى، فهيكل كان وسيظل اسما له حضوره القوى فى الأوساط المصرية والعربية، وسيبقى القدوة التى يبحث عنها بعض الشباب.
حاول البعض أن يكرر تجربة هيكل مع عبدالناصر، بل إنه هو نفسه حاول تكرارها مع السادات ومبارك، لكن لكل رئيس سماته التى لا تتوافق مع الآخر، ففشلت التجربتان ووصل الأمر إلى صدام كبير بين هيكل والسادات ومبارك كان من نتاجه كتاب «خريف الغضب» الذى هاجم فيه الرئيس السادات، وفى السنوات الأخيرة لحكم مبارك كان هيكل على خلاف قوى مع مبارك، تستطيع أن تحلله كما تشاء، لكن يبقى السبب الرئيسى هو الفشل فى تكرار تجربة عبدالناصر مع مبارك ومن قبله السادات.
لكل إنسان أخطاء وهذه هى سنة الحياة، ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عنها، لكن الأهم من كل ذلك أن نستفيد من تجربة هيكل الصحفية التى امتدت لأكثر من سبعين عاما، استطاع خلالها وحتى قبل وفاته بأسابيع قليلة أن يكون موجودا وبقوة وسط الأحداث السياسية سواء كمحلل لها أو راصد لتطوراتها ومتوقعا لمستقبلها، فهو كان ينظر لما يحدث ويربطه بما لديه من معلومات كثيفة توافرت له من الماضى فيستطيع من خلال هذا التشبيك استنتاج أو توقع ما هو قادم.
هيكل يمثل تجربة فريدة ومدرسة خاصة فى العمل الصحفى لا يجب أن نقتصرها على المدح أو الذم فى شخص الراحل، لكن علينا أن نتعلم منها ما يفيدنا فى العمل الصحفى والإعلامى، خاصة ونحن فى وقت نعيش فيه حالة من التشرذم الإعلامى بسبب أمراض أصابتنا جميعا وحولت العمل الإعلامى إلى حقل تجارب لمن يملك السلطة والمال، لا من يملك الموهبة والقدرة على العمل الصحفى والإعلامى، فما أحوجنا الآن أن نستفيد من تاريخ هيكل فى كيفية صناعة الخبر والتحقيق الصحفى وقبل ذلك نسج علاقات مع الجميع مبنية على الثقة وليس الشك.
أنا لا أتحدث عن فكرة تأليه هيكل كما فعل البعض مع عبدالناصر حينما حولوه إلى ما يشبه الإله غير قابل للنقد أو الذم، فهذا ليس هدفا مطلقا، لأن هيكل، كما قلت، أخطأ وأصاب، لكن هذا لا ينفى أنه كان صاحب تاريخ طويل يستحق أن يكتب ليتعلم منه الكبار قبل الصغار، كيف تستطيع أن تبنى نفسك وسط مجتمع ملىء بالتناقضات، وتعيش فيه كأنك راقص على الحبال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة