كان الأستاذ محمد حسنين هيكل حريصا على تفاصيل الدراما فى كتاباته السياسية ومواقفه، التى كان يمتزج فيها الخيال بالواقع. راصدا لـ«سنوات الغليان» وسنوات الانفجار، ظلت المفارقات مستمرة حتى فى الرحيل، حيث دخل فى مرضه الأخير، لكنه انتظر أسبوعا ليرحل هو وقبله بساعات الدكتور بطرس بطرس غالى، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة وأحد صناع السياسة والدبلوماسية، وكلاهما - هيكل وغالى- من نفس الجيل، بينهما عام واحد فقط. ولد بطرس غالى 1922، بينما ولد هيكل عام 1923، وتقاطعت وتباعدت بهما الطرق. بل كانت بينهما اختلافات فى المواقف والمواقع، حيث صعد الدكتور غالى فى سلم السلطة بجوار الرئيس أنور السادات، بينما كان هيكل يغادر عالم السادات، ليبدأ خلاف بين هيكل والسادات، غادر هيكل الأهرام وامتدت مساحات الخلاف وبلغت أقصاها بعد زيارة السادات للقدس، واتفاقيات كامبد ديفيد، التى كان الدكتور بطرس غالى أحد من مهدوا لها وشهدوا توقيعها.
هيكل واصل إصدار أهم كتبه وأخطرها، وسجل تجربة عبدالناصر ومصر طوال عقود الغليان والانفجار، بينما بدأت رحلة صعود غالى فى السلطة بجوار السادات، ويستمر مع مبارك، وحتى يصل إلى الأمم المتحدة. وسجل هيكل قصته مع السادات والخلاف بينهما، بينما كان السادات يهاجم وينتقد هيكل، وألقى القبض عليه فى حملة سبتمبر 1981 مع العديد من السياسيين والمثقفين والمعارضين.
واغتيل السادات وبعد رحيله سجل هيكل موقفه فى «خريف الغضب»، الذى أثار جدلا واسعا وقت صدوره. واتبعه بسلسلة كتبه المهمة. التى كان منها ثلاثيته التى سجل فيها رحلة مصر مع إسرائيل والسلام وانتقد فيها ما اعتبره «سلام الأوهام فى ثلاثية» المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل «ووصفها بـعواصف الحرب وعواصف السلام، وحتى سلام الأوهام، بينما الدكتور بطرس غالى كان يعتبر أن السلام هو أهم إنجازات الرئيس أنور السادات.
فى عام 1997 أصدر الدكتور بطرس غالى كتابه «طريق مصر إلى القدس» عن السادات والسلام، وسجل هيكل رأيه أعاد فيه هيكل رؤيته فى السادات والسلام وغالى، ووصف غالى ذلك فى مذكراته بدر البدور «الصحفى محمد هيكل.. أوسعنى شتما فى مقال لاذع تناول فيه كتابى (طريق القدس)، ولم يتورع عن اللجوء لشتى أنواع الافتراءات. لقد أضمر حقدا عنيفا وشرسا إزاء الرئيس السادات الذى أقصاه عن الحياة العامة».
كل منهما ـ هيكل وغالى ـ اتخذ طريقه مع السلطة، هيكل تمسك بسلطة الكاتب، وغالى احتفظ بسلطة السياسة. وكما عبر ناجى فى أطلاله «مضى كل إلى غايته»، لكنهما رحلا معا رحيل الغرماء، كل منهما أثر فى عصر من عواصف السلطة وصراعات السلطة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة