مروة جاد الله

الخروج الآمن من دائرة الانتقام الجهنمية

الثلاثاء، 02 فبراير 2016 04:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما بين المطالبات بضرورة عقاب الشابين كى يكونا عبرة لغيرهما وبين الدفاع المستميت عنهما خاصة بعد اعتذار أحدهما حتى وإن تفاخر الآخر، وسط هذا المشهد الصاخب تتجلى حقيقة لابد لنا مدافعين أو مستنكرين أن ندركها فى هذا الفيديو الكاشف، كاشف لأنه ببساطة كشف لنا حالة واضحة تعيشها فئة من الشعب منذ ثورة 25 يناير.

هذا الأسلوب فى التعامل مع الشرطة ليس بجديد لأن البعض توقف عند تاريخ 28 يناير فلا تغيير حدث حتى الآن، هذه الفئة لديها حالة من السخط تصل إلى حد الكراهية تجاه قوات الأمن، وللحق ليست كلها من جيل الشباب، وإنما تضم عددا من أعمار وطبقات اجتماعية ومستويات ثقافية متنوعة، ولا أعتقد أن هذا الشعور نتيجة انتظار العقاب ضد بعض عناصر الشرطة لأنه ليس من العدل أن نحمل جنود وضباط اليوم جرما ارتكبه آخرون فى مكان وزمان آخر، ولكن البعض يرى داخلية اليوم هى داخلية الأمس فلا يرون التغيير فى نهج الداخلية ولا يصح أن تنكر هذه الفئة تحديدا التغيير، بل يجب أن تتباهى أكثر من أى أحد آخر بالإنجاز الذى تحقق ولو جزئيا، وإن بقيت حالات ما زالت تصدمنا بتجاوزات فجة، ولكن لا ننكر أن معظم تلك التجاوزات تتم محاسبة مرتكبيها ولن أذكر أمثلة كثيرة لأنى على يقين أنها لا تعنيهم ودائما ما يدخلون فى جدل حول وجود تجاوزات أخرى لإثبات أنهم على حق.

الأزمة أن البعض لا يقبل فكرة التدرج، وإنما إما أن أحصل على كل شىء أو لا شىء، فإلى متى نظل جميعا أسرى داخل دائرة الانتقام الجهنمية التى استطاعت مجتمعات أخرى الخروج منها على الرغم مما عانته من أحداث دموية تورطت فيها الشرطة ولكنها نجحت فى استكمال الطريق منحية الماضى جانبا وضمدت جراحها، وإن كانت فى أحيان كثيرة أشد قسوة مما مرت به مصر خلال السنوات الماضية؟!
أعتقد أنه آن الأوان أن نتخطى الجراح، ليس فقط لأن كل صاحب حق رد له حقه، وإنما لأن العبرة بالتغيير فى السلوك، قد يسامح المجتمع فى حقه إن رأى السلوكيات تغيرت والعقاب أصبح حاضرا ولم يعد أحد فوق القانون ولابد أن نواجه أنفسنا حتى وإن كانت مشاعر الغضب تغلب البعض أحيانا، ولكن الأوطان لا تداوى جروحها باستمرار توهج المشاعر وإنما بنظرة واقعية تؤكد على عدة مكاسب واضحة، خاصة فيما يخص الثواب والعقاب وتحديدا فى المؤسسة الأمنية، صحيح ما زال أمامنا الكثير، ولكنه لن يتأتى بمثل هذه الأساليب المليئة بالكراهية وإنما بالاحتفاء بالإنجاز الذى حققه المصريون وحصلوا عليه بدمائهم وهو التغيير فى منهج كان متبعا سابقا، إذن فنحن نسير إلى الأمام فلماذا تصر هذه الفئة أن تجرنا جميعا إلى الخلف؟!

هذه الفئة لسبب أو لآخر فجأة وبعد ثورة 30 يونيو شعرت بأن حكم الرئيس السيسى سيكون فرصة للشرطة للعودة للممارسات القديمة والحق يقال، إنه ليس هناك دليل دامغ يدعم هذه المخاوف، بل على العكس فإن ثمة تغيير حدث ولنا الفضل جميعا فيه، ولكن هذا لا يعنى أن نظل نذكر أنفسنا مع كل تجاوز بما جرى ما قبل 25 يناير، وإلا سنبقى جميعا حبيسى دائرة الانتقام الجهنمية، ففى كل مهنة نجد متجاوزين ولكن العبرة بالحساب وهل التجاوز منهج لمؤسسة بأكملها أم أنه مجرد حالات فردية تلقى الجزاء كلما ثبت الجرم؟ متى يقرر هؤلاء إعطاء أنفسهم الفرصة للنظر بموضوعية للمشهد بعيدا عن المشاعر الملتهبة والجراح القديمة؟ والحقيقة هم ليسوا وحدهم المسؤولين عن هذا المشهد، فهناك أيضا فئة من الشرطة تعود بالذاكرة خوفا أو غضبا أو رغبة فى الثأر مما جرى أو ربما محاولة لاستعادة سطوة وهمية ثبتت هشاشتها بعد 25 يناير، وهؤلاء أيضا فئة يجب أن تراجع وتفهم أن ثمة تغيير حدث.

هذا الفيديو الكاشف ربما هو الأول من نوعه ولكنى أخشى ألا يكون الأخير، إن لم نعِ المعنى الحقيقى وراء الفعل، وما تكنه النفوس والتى لا بد لها أن تصفو لنخرج جميعا سالمين من دائرة الانتقام الجهنمية والتى لن ينجو منها أحد إن أصر كل طرف على أن يعيش فى الماضى بآلامه.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة