ولد فيما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ورضع حليب الليبرالية المصرية، وشب على طوق الناصرية كرجل دولة، وشارك فى مدرسة السادات السياسية فى صنع كامب ديفيد، ورغم ذلك أبعد من الأمم المتحدة بفيتو أمريكى وتحريض إسرائيلى، وتبوأ سدنة المجلس المصرى لحقوق الإنسان فى عصر مبارك، ومع ذلك كان من مؤيدى ثورة 25 يناير، الليبرالى المؤيد للسيسى وثورة 30 يونيو رغم فرار البرادعى.
شهدت طفولته صيحات انتفاضة 1930/1935 من أجل عودة دستور 1923، وعرف من الجامعة انتفاضة الطلبة والعمال 1946، وصعد سلم الدولة مع ثورة 23 يوليو 1952، مثلما الحجر الكريم متعدد الإشعاع كلما انعكس عليه الضوء، بطرس سليل العائلة البطرسية، وهى عائلة مصرية قبطية سطر أبناؤها العديد من صفحات تاريخ مصر الحديث والمعاصر وشاركوا فى صنع العديد من الأحداث الفاصلة فى تاريخ مصر منذ الثورة العرابية، مرورًا بتوقيع اتفاقية السودان وثورة 1919 واتفاقية 1936، وصولا إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ومباحثات كامب ديفيد، ووصول واحد من أبنائها، بطرس غالى الكبير، كأول قبطى إلى منصب رئيس وزراء مصر، ويرتقى حفيده إلى منصب الأمين العام للأمم المتحدة كأول مصرى وعربى يصل إلى تلك المكانة، وصولا إلى يوسف بطرس غالى أول وزير مالية قبطى بعد ثورة يوليو، أسرة خدمت خمسة ملوك وخمسة رؤساء، وشارك أبناؤها فى وزارات كل تلك العهود.
يدفن فقيدنا بالكنيسة البطرسية بجوار جدة بطرس غالى الكبير، تلك الكنيسة التى قامت الأسرة ببنائها فوق ضريح بطرس غالى 1911 الذى قتله إبراهيم الوردانى 1910 بسبب أحداث دنشواى الغريب أن بطرس غالى باشا كان قد تقدم بشكوى ضد البطريرك كيرلس الخامس للملك وللإنجليز وتسبب فى نفيه إلى دير البراموس 1890 وحتى 1891، حينما كان رئيسا للمجلس الملى العام، ولكن البطريرك صالحة وفك «الحرمان الكنسى» عنه 1892.
من هنا ندرك تاريخ الأسرة التى خرج منها عطر الوطن والكنيسة، ورغم أن فقيدنا متزوج من السيدة اليهودية ليا نادلر ومشارك فى اتفاقيات كامب ديفيد، إلا أنه صاحب مواقف وطنية وقومية مشرفة حينما طالب بلجنة تحقيق فى مذبحة قانا، ولم يمدد له سوى مرة واحدة على عكس المعتاد فى هذا المنصب، ورأى الكثير من الدبلوماسين ومنهم غالى نفسه أن سبب عدم التمديد له هو إصرار على إصدار تقرير الأم المتحدة يدين إسرائيل بارتكاب مجزرة قانا عندما قصفت مخيما للاجئين فى جنوب لبنان فى أبريل عام 1996، وقتلت 106 من المدنيين، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو لمنع إصدار قرار يدين إسرائيل، ثم رفضت استمرار غالى فى منصبه، ليستبدل بإفريقى آخر هو كوفى عنانى.
بطرس غالى من أكبر خبراء الشؤون الأفريقية فى العالم، وله العديد من الدراسات الأفريقية لكبريات الجامعات، لذلك لم يكن غريبا أن يكون أول من تنبأ بأزمة سد النهضة، جاء ذلك فى حوار صحفى منذ عشرة سنوات، وقال فى حواره الأخير مع الإعلامى يوسف الحسينى ببرنامج «السادة المحترمون»: «إن هناك تقصيرا من مصر فى التعامل مع أزمة مياه النيل»، مشيرًا إلى أنه حاول إقناع الرأى العام لمدة 20 عامًا لإنشاء منظمة لمتابعة مفاوضات أزمة مياه النيل ولكنه فشل فيها. وأضاف: «أنه لا يجب أن نلوم إثيوبيا على الحدة التى تتعامل بها فى مفاوضاتها، لأنها تعانى من أزمة مائية خانقة»، وداعا آخر الفراعنة الدوليين العظام، ابن النيل ذو الوجه الأفريقى النبيل، فارس الوطنية المصرية وسليل المجد، كريم العنصرين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة