متى تنتهى كوارث القطارات؟.. حادث قطار بنى سويف لن يكون الأخير وإن كان أقل وطأة من الحوادث السابقة، فإجمالى الضحايا كان 70 مصاباً، ولم تحدث وفيات، كما حدث فى حوادث قطارات العياط وأسيوط وغيرها.
الحادث متكرر لدرجة أن المصريين اعتادوا عليه ولم يفجعوا لمثل هذه الحوادث لأنها تحولت إلى عرض مستمر ومتكرر، ولم يفلح معها إقالة أو معاقبة المسؤولين بداية من الوزير وحتى عامل المزلقان أو سائق القطار، لأن الأزمة لا تتعلق بهؤلاء بقدر ارتباطها بهيئة تراكمت مشاكلها وأزماتها ولم يعد أى مسؤول قادراً على المواجهة، فالديون متراكمة، والأفكار الجديدة منعدمة، والكل يدور داخل حلقة واحدة، وهى أننا أمام تركة ثقيلة من المشاكل، وليس هناك أمل فى الحل. كنا نتوقع أن يكون حادث قطار العياط فى فبراير 2002 الذى راح ضحيته أكثر من 350 مصريا جرس إنذار للجميع، وأن يكون هناك تكليف قومى للجميع بالعمل على إعادة هيكلة تامة وكاملة للسكك الحديدية، لكن هذا لم يحدث، انشغلنا بالمحاكمات الجنائية للمسؤولين وتناسينا صلب القضية، وهى تهالك خطوط السكك الحديدية والقطارات، فوصلنا إلى الحال الذى نحن عليه الآن، كل يوم ضحايا جدد يضافون لمقبرة السكك الحديدية وقطارات مصر. ندور جميعاً حول سراب رغم أن الحقيقة واضحة أمامنا، فالأزمة لن تحل بمسكنات، لكنها بهيكلة جديدة، تنسف الفكر القديم وتعيد البناء على أفكار جديدة، فلا يعقل أن العالم كله يسير قطاراته الكهربائية، ونحن مازلنا مختلفين مع الشركات الصينية على صيغ التعاقد حول إنشاء القطار المكهرب فى العاشر من رمضان، هذا هو صلب القضية، فالخلاف ليس عن المسؤول، سواء كان سائق القطار أو عامل المزلقان، فكلاهما مسؤول، لكن أى مسؤولية تلك طالما أنهما يعملان ضمن منظومة متهالكة، أليس من العدل أن نوفر لهما الإمكانيات ثم نتحدث عن مسؤولياتهما؟ وزير النقل لن يعفى نفسه من المسؤولية حتى وإن قال إنهم فشلوا فى التطوير، لأنه إذا فشل فليترك الفرصة لغيره يكون قادراً على اتخاذ القرار المناسب وليس المسكنات التى أدمناها ولم يعد لها أى تأثير.. فالتصريحات الرنانة لن تجدى نفعاً طالما أن الواقع كما هو لم يتغير.
لا أتحدث عن إقالة وزير أو مسؤول، لأن الإقالة ليست هى الحل، لكنها جزء من المسكنات التى لا نحتاجها الآن، فنحن فى حاجة لعملية جراحية كبيرة فى هذا القطاع الحيوى الذى يعتمد عليه ملايين المصريين فى تحركاتهم وتنقلاتهم اليومية.
ما الحل؟.. الحكومة دوماً تتحدث عن الخسائر الكبيرة فى قطاع السكك الحديدية وتحاول محاصرتها، فالتقارير تشير إلى أن الخسارة وصلت إلى 5 مليارات جنيه بعدما كانت 177 مليون دولار فى عهد الوزير الأسبق محمد منصور الذى استقال فى أعقاب تصادم قطارين بالعياط عام 2009 أودى بحياة 9 ركاب، إذن أسلوب محاصرة الخسائر جائز وموجود، لكننا هنا لا نتحدث عن الخسائر المادية بقدر تركيزنا على الخسائر البشرية التى تحتاج لفكر جديد لمنظمة السكك الحديدية فى مصر، هذا الفكر كما قلت لا يجب أن يعتمد على المسكنات، فالحكومة حينما تتحدث عن حاجتها لتحويل «1332» مزلقان إلى مزلقانات ميكانيكية بالكامل بتكلفة تصل إلى 6 مليار جنيه فإنها لا تختصر القضية فى شق واحد فقط، لأن المشكلة ليس فى المزلقانات بقدر ارتباطها بالخطوط المتهالكة والقطارات غير الآدمية، فإذا لم يكن هناك خطوط جديدة وقطارات حديثة ستظل المشكلة وتبقى الحوادث ملازمة لنا كل يوم، وقبل ذلك نحن فى حاجة لتغيير عقلية العاملين فى السكك الحديدية، وهذا يحتاج إلى فكر جديد فى التعيين، لا يقوم على توريث الوظائف أو الواسطة، بقدر ارتباطه بالخبرة والحاجة. خطة الهيكلة أمر عاجل وضرورى، فكما قلت فإن القطارات الكهربائية أصبحت من المتعارف عليها حالياً فى العالم، فلا يعقل أن نستمر فى مصر نعمل بالقطارات الديزل.. نعم أعلم أن تشغيل شبكة قطارات كهربائية كاملة فى مصر تحتاج لموازنة قد لا تستطيع الدولة تحملها فى الوقت الحالى، لكنها أمر لابد منه، وعلى الحكومة أن تحدد خطتها لذلك، فبدلاً من إنفاق الأموال على المسكنات عليها أن تضع خطة محددة بمدة زمنية قصيرة لإحلال القطارات الكهربائية بدلاً من الديزل.
قبل كل ذلك على وزارة النقل من وجهة نظرى أن تحصى عدد العاملين فى قطاع السكك الحديدية وتحدد احتياجاتها خاصة من شباب المهندسين القادرين على مواكبة التطوير وإعادة الهيكلة المطلوبة، وأن تضع لهم خطة تدريب، سواء فى داخل مصر أو خارجها.
فى النهاية نحن فى حاجة لخطة قومية لتطوير السكك الحديدية يتبناها رئيس الجمهورية وليس الحكومة، وأن يشترك فيها الجميع دون اقتصار الأمر على وزارة النقل فقط لأنها ما زالت تسير حول نفسها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة