وجدى الكومى

الرواية فى الزنزانة والروائى فى التخشيبة

الأحد، 21 فبراير 2016 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لن يكون الروائى الشاب أحمد ناجى مؤلف رواية "استخدام الحياة" الصادرة عن دار التنوير عام 2014، آخر كاتب أو روائى أو مبدع يدخل السجن، فى قضية رفعها ضده المحتسبون الجدد، ضد الكتب الأدبية، والأعمال الروائية بالاتهام الجاهز "خدش الحياء العام" أو "إنكار الذات الألهية" أو غيرها من الاتهامات الجاهزة، التى تتمحور حولها أغلب قضايا المحتسبين – رافعى قضايا الحسبة - الذين يزجون بالأدب فى عصر من الجهالة والظلمة.

معروف ما للأدب والفن من دور بالغ فى تثقيف الناس، وجعلها تعيد النظر فى العديد من القضايا الجامدة، معروف ما للأدب والفن من دور بالغ فى زيادة الوعى، وتحسين حالة المجتمع وتهيأته لاستقبال التنوير، معروف خطورة الكتب الأدبية والروائية على المحتسبين، والمتطرفين، وأصحاب الفكر الوهابى المتخلف، الذين يريدون تنقيب المجتمع، وجعله غارق فى نقاشات سطحية من قبيل "دخول الحمام بالقدم اليمنى أم اليسرى"، وغيرها من النقاشات التى لا تبنى أى مجتمع، ولا تحدث تطورا .

يقوم الأدب فى الأساس على إحداث المتعة الجمالية، والروحية، يأتى هذا الحديث ضمن شكل من أشكال التكرار الممل للحقائق، فى الدول الغربية لم يعد أحد يناقش وظيفة الأدب، وأهميته، وضرورة أن يصرح أديب ما بفكرته كاملة، وعليه شهدت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية طفرات بفضل إتاحة الحرية للمبدعين والمفكرين والمخترعين بالتقدم قدما فى طرح أفكارهم، سواء كانت مكتوبة أو مرئية، أو ممثلة على المسرح، أو فى التليفزيون.

لم تزل قوى رجعية محددة فى مصر تتمسك بمحاكمة فصولا وفقرات من الكتب الأدبية، إذا عثروا فيها على ألفاظا جنسية، أو كلمات تستخدم لتبادل الشتائم فى الشارع، ويتوجهون بصاحب الكتاب وناشره إلى المحكمة على اعتبار أنه صاحب اتجاه جديد يهدف لكسر حياء المجتمع، وخدش برقعه، ونشر الفتنة الجنسية، إلى آخره من الاتهامات المضحكة للغاية، فكيف يكون بوسع كاتب، ينشر مؤلفه 1000 نسخة، أن يخدش حياء مجتمع، يعيش فيه حوالى 90 مليون مواطن ومواطنة، يتعرضون لما يخدش حيائهم بالفعل ليل ونهار.

فى هذا الصباح الذى أكتب فيه هذه السطور، صعد شابان إلى عربة الميكروباص المتجهة بى وبركاب آخرين من شارع ناهيا إلى موقف سيرفيس بولاق الدكرور، وكالا الشتائم والسباب والألفاظ المقذعة لسائق العربة، وظننت أنا والركاب، أن ثمة مشاجرة قادمة، حبسوا دمنا فى عروقنا، وفوجئنا بعد قليل، أن المشاجرة المفتعلة، التى استخدم فيها الشابان كل الألفاظ التى تشير لأعضاء جنسية للرجل والمرأة – أريد أن أخدش حياء قارئ بالصدفة لهذا المقال – فوجئنا أن المشاجرة جزء من تمثيلية هزلية يداعب فيها الشابان قائد الميكروباص كل صباح.

يخدش حياء المجتمع برلمانين شتامين من الدرجة الأولى، وإعلاميين فضائحيين ينتهكون خصوصيات المواطنين فى البرامج الليلية.

يخدش حياء المجتمع مشاهد الزبالة المنتشرة على قارعة الطريق ويكتفى أعضاء بعض المجالس المحلية برشها بالمبيدات لقتل الديدان التى ترعى فيها، بدلا من جمعها كما هو واجبهم .

يخدش حياء المجتمع برك المجارى الطافحة فى الشوارع المهملة من كفر طهرمس والمنشية وغيرها من المناطق المنكوبة التى يتم فيها البناء بالمخالف ويتقاعس رؤساء الأحياء عن التصدى لهذه المخالفات العقارية، أو إصلاح بنيتها التحتية.

يخدش حياء المجتمع البناء العشوائى، والألوان الغريبة الفاقعة التى يستخدمها البعض فى طلاء شرفاتهن دون الرجوع للتصميم الهندسى والمعمارى للمدينة، والذى حول مدننا إلى كرنفال قبيح، يمكنك أن ترصده إذا شئت بالمرور فى الطريق الدائرى والانتباه لواجهات البنايات.

يخدش حياء المجتمع أطفال الشوارع الذين تهملهم الدولة، ولا تلتفت لضرورة إيواءهم، والإنفاق عليهم، يخدش حياء المجتمع المغالاة فى رفع الأسعار، وتحميل الناس مغبة الفشل الاقتصادى وعجز المسؤولين عن إنقاذه، يخدش حياء المجتمع الجدل الدائر حول رفع تذكرة مترو الأنفاق لأنه يخسر، بينما منظومة النقل فاسدة وبعض المناطق بمحافظات مصر محرومة من وسيلة انتقال آدمية، يخدش حياء المجتمع البحث المستمر عمن يكدر صفو المجتمع وسلمه العام، بينما البطالة فى إزدياد، والفقر فى إزدياد، والأسعار فى ارتفاع، كل هذه الأشياء تخدش حياء المجتمع، وليست الكلمة، أو مشهد أدبى فى رواية.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة