لا أتمنى أن يفهم البعض توجيهات الرئيس بضبط الآداء الأمنى، بمثابة ضوء أخضر للهجوم على الشرطة، فتنُصب المشانق وتتضخم الأخطاء، وتفتح الصحف والفضائيات الملفات السوداء، ويتقدم أعضاء مجلس النواب بمئات الأسئلة وطلبات الإحاطة والاستجوابات، ويصبح الشغل الشاغل هو «ضرب» الآداء الأمنى، وليس «ضبط» التجاوزات، الأمور يجب أن توضع فى نصابها الصحيح.
أولا: خرجت الشرطة من 25 يناير مسخنة بالجراح، وفى نفوس وأعماق عناصرها إحساس بالمهانة والمرارة، فأصبحت ردود الأفعال فى كثير من الأحيان، تعكس روح الثأر أو استعادة الكرامة، فزادت التجاوزات عما كان سائدا قبل يناير، ولم تنفع تبريرات كبار المسؤولين فى الوزارة، لأنها انحازت لوجهة نظر الداخلية، دون اتخاذ إجراءات رادعة لوقف تجاوزات بعض الضباط وأمناء الشرطة، وزاد الأمر سوءا بتسابق الفضائيات فى تناول الوقائع، بشكل يثير الغضب فى نفوس الناس.
ثانيا: تضخم نفوذ أمناء الشرطة فأصبحوا شوكة فى ظهر المواطنين والداخلية فى آن واحد، ومنذ أن تظاهروا فى الشرقية، أغسطس الماضى، وأطلقوا الأعيرة النارية ومنعوا مدير الأمن وكبار القيادات من دخول المديرية، أدرك الناس أن الوزارة ضعيفة فى مواجهتهم، ولا تستطيع وقف نفوذهم، ولن تتخذ ضدهم إجراءات رادعة، وبالتالى أصبح الحل هو أن تأخذ حقك بيدك، كما يفعل الأطباء وأهالى الدرب الأحمر، وما حدث يحب أن يكون جرس إنذار، وليس مجرد حادث عابر.
ثالثا: لم يعد أحد يخاف، وتجرأ الناس بعد 25 يناير على كل شىء، خصوصا رجل الشرطة العابث العنيف المتجهم، الذى يهدر آدمية البشر ويستبيح كرامتهم، فقد أصبح مرصودا وهدفا ثابتا، ويجب على بعض عناصر الشرطة أن يعيدوا تقدير الموقف، ولماذا كانت أقسام الشرطة هدفا ثابتا للحرق والتخريب.
رابعا: الأجواء الضبابية السائدة الآن، بشأن جرائم الشرطة ضد المواطنين، أسوأ مما كانت عليه قبل 25 يناير، ولا يكاد يمر يوم إلا ونقضى فيه فترة المساء والسهرة، مع «التوك شو» مستعرضا فيديوهات، تعمق فى النفوس الكراهية والتحفز ضد الشرطة، دون التأكد من صحتها أو فبركتها، ولا تنفع مداخلات مسؤولى الداخلية، لأنها لا تشفى الغليل ولا تقدم دليلا ولا برهانا، حول عقاب المخطئين بحزم وشدة، بل مجرد التأكيد على احترام حقوق المواطنين، وعدم التستر على المخطئين، لا أكثر ولا أقل.
خامسا: ليس مجديا اتهام قوى الشر المتربصة التى تستثمر الأحداث، فهى موجودة وتتحرك وتؤجج الفتن، وتشعل الحرائق الكبيرة من مستصغر الشرر، ولن يهدأ لها بال إلا إذا قوضت مؤسسات الدولة، ولكن من الذى يعطيها الفرصة، ويسمح لها بمعاودة الظهور؟
لم أفهم تصريحات الرئيس على أنها ضوء أخضر للهجوم على الشرطة، ولكن أن تلتزم حدود القانون، الذى منحها سلطات وصلاحيات لحماية الأرواح والممتلكات، وليس الإفراط فى العنف واستباحة حقوق الإنسان، ولتبادر الشرطة بنفسها بإعلان عام 2016 بلا تعذيب أو إهانة، وأن تواجه نفسها: لماذا أصبح الناس متحفزين ضد الشرطة؟
لا يجب أن تمحو التجاوزات البسيطة التضحيات الكبيرة، ولا أن تضيع دماء الشهداء فى صخب وضجيج أخطاء الأمناء، ولم تعد البلاد تتحمل عودة أجواء التوتر التى كانت قبل 25 يناير، ودفعت مصر كلها الثمن غاليا، وما زالت تدفعه حتى الآن.
السرعة والحزم والعقاب الرادع هى العلاج السريع الذى يحقق الارتياح، أما ترسيخ مبادئ العدالة وروح القانون واحترام حقوق الإنسان، فهى العلاج الحاسم، ولكنه يحتاج بعض الوقت.