ما معنى أن يعيد أحد شيوخ السلفيين فتوى قديمة ومستهلكة وتصدى لها رجال الأزهر ودار الإفتاء وشيخ الأزهر نفسه المرحوم الشيخ محمد سيد طنطاوى؟ الأزمة هنا ليست فى الفتوى الشاذة التى أعادها على صفحته الإلكترونية «أبوإسحاق الحوينى» بتحريم إيداع الأموال فى البنوك التى مضى عليها زمن طويل، وتم وأدها فى وقتها والرد عليها شرعيا واقتصاديا، لكن الأزمة فى توقيت إعادتها ونشرها وإثارة البلبلة والفوضى مرة أخرى لدى العامة من الناس، وفى وقت يعانى فيه الاقتصاد المصرى أزمات عديدة ومصاعب جمة.
فلماذا يعيدها أحد دهاقنة السلفيين الآن وما الأغراض غير السوية والنوايا الشريرة من ورائها؟
هل الغرض مزيد من الضربات وتدمير الاقتصاد المصرى وإثارة البلبلة والجدل مرة أخرى حول فتوى ميتة مهجورة لم تؤت أكلها فى السابق، فلا مانع من محاولة جديدة تدعم مؤامرة خنق ومحاصرة الاقتصاد المصرى وهو ما أطلق عليه عدد من خبراء الاقتصاد بأنه نوع من «الإرهاب الاقتصادى» الذى يجب مواجهته والتصدى له ومحاكمته، لأن هذه الفتوى تخضع للقانون الذى يعاقب بالسجن كل من أثار الفوضى والبلبلة وتكدير السلم العام وتهديد الأمن القومى بالإضرار بالاقصاد. فهل يحاكم الحوينى وتوجه له كل هذه الاتهامات؟
لم يسأل أحد الحوينى من قبل أين يودع أمواله الطائلة وملايينه من الدولارات والريالات. هل يضعها «تحت البلاطة» أم فى البنوك المسماه بالإسلامية؟ وكيف تتدفق عليه تلك الأموال من الخارج؟ هل فى «جوال أم شنطة» أم عبر حسابات البنوك؟ اكشفوا عن حسابات هذا الشيخ وأقرانه من مشايخ الفتنة ودعاة الفوضى وتعاملاتهم المالية، حتى نعرف كيف وأين يودعون أموالهم غير المعلومة لنا ومن أى جهات تأتى إليهم.
فى الدول التى يعيش فيها الحوينى وأمثاله لا يمكن لشخص أن يحتفظ بأمواله فى بيته أو يتعامل ماليا وحسابيا مع أى جهة إلا بشيكات لها إيداعات بنكية، مثل باقى دول العالم الذى يضع سقفا محددا لحجم المبالغ السائلة التى يتعامل بها الأفراد، فلماذا تصدر فتوى مثل هذه فى هذا الوقيت وتحديدا فى مصر التى تعانى من سيولة مالية عشوائية تقدر بأكثر من 325 مليار جنيه واقتصاد أسود مواز يقدر بنحو 2 تريليون جنيه، هل هى دعوة للفوضى؟
فى الثمانينيات والتسعينيات أطلق أمثال الحوينى من شيوخ الغبرة هذه الفتوى، وتصدى لهم الشيخ محمد سيد طنطاوى، أثناء توليه دار الإفتاء ومشيخة الأزهر وأعلن أن ودائع البنوك حلال.. حلال، ولم يعلن فتواه إلا بعد عرض القضية على لجنة من علماء الأزهر تشكلت من 11 عالما من مختلف المذهب، وأحل 7 علماء إيداع الأموال فى البنوك وامتنع اثنان واعترض اثنان فأخذ الشيخ طنطاوى رحمه الله، برأى السبعة وبعدم تحريم الاثنين.
ورغم الحرب الشرسة التى واجهها طنطاوى إلا أنه تمسك بفتواه فى مواجهة شيوخ الرجعية والتخلف التى لعبت دورا فى تنشيط شركات توظيف الأموال، وتضليل الناس بوضع أموالهم فى تلك الشركات التى كانت أكبر «عملية نصب» فى تاريخ الاقتصاد المصرى واكتشف الناس اللعبة، لكن بعد فوات الأوان.
أظن أن الغرض من الفتوى الحوينية الآن هى مزيد من الضغط على الاقتصاد المصرى، وهى حرب جديدة يجب مواجهتها من المصريين أولا ومن رجال البنوك والاقتصاديين والمثقفين ثم من الأزهر.
فالمطلوب صراحة الآن هو إصدار تشريعات وقوانين صارمة تجرم إصدار الفتاوى الشرعية بعيدا عن علماء الأزهر ودار الافتاء، لأن ما شاهدناه ونشاهده حاليا من فوضى الفتاوى من بعض ممن يدعون صلتهم بالدين يحتاج إلى وضع حد حقيقى لهذه الفوضى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة