"الصرف" و"الهيش" يغزو عرب الحصار.. آلاف الأفدنة تروى من ترعة "كوم أمبو" والزائد يصرف بالنيل.. الدود يخرج من لحوم الأبقار والماعز بعد الذبح لتغذيتها من محاصيل الصرف.. ومزارع:إما نموت جوعا أو نزرع منها

الثلاثاء، 23 فبراير 2016 05:54 م
"الصرف" و"الهيش" يغزو عرب الحصار.. آلاف الأفدنة تروى من ترعة "كوم أمبو" والزائد يصرف بالنيل.. الدود يخرج من لحوم الأبقار والماعز بعد الذبح لتغذيتها من محاصيل الصرف.. ومزارع:إما نموت جوعا أو نزرع منها الصرف يغزو عرب الحصار
تحقيق وتصوير– شيماء يحيى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تاجر خضار: 50% من الخضراوات والفاكهة بجميع أسواق البلد من أراضى الترعة



عندما تمُر بطريق محاجر "الطفل" و"الرمال" بقرى "عرب الحصار" التابعة لمركز الصف"، تجد سلسلة جبال بطول الطريق تحيط بمساحة واسعة من البحيرات، تعتقد فى البداية أنها لمحمية طبيعية لا محال، إلى أن يُخبرك أهالى المنطقة أنها ليست كذلك، وإنما هى محاجر الدولة التى دمرتها مياه الصرف الصحى المتوغلة فيها مكونة تلك البرك شاسعة المساحة والعمق يحيط بحوافها نبات "الهيش" مكونًا تلك المحمية الكارثية على كل الأصعدة الاقتصادية والصحية والبيئية.

بدأت أزمة الصرف الصحى بـ"مركز الصف" منذ إنشاء ترعة "كوم أمبو" الصرفية عام 1986؛ وذلك ليتم فيها تجميع مياه الصرف الخاصة بجميع أنحاء جنوب القاهرة، لاستغلالها بزراعة أشجار خشبية على ضفافها، لتمتد هذه الترعة حوالى 40 كيلو مترًا بدءًا من قرية "عرب أبو ساعد" شمال شرق منطقة عرب الحصار مارة بجميع قرى الصف حتى مركز أطفيح جنوبًا ليصب الزائد عن زراعة تلك الأشجار بمنطقة جبلية بأطفيح، دون أى مساس بمحاجر الدولة أو الأراضى الزراعية كما هو من المفترض.
ولكن المشكلة ظهرت بعد حفر الترعة، حيث بدء التسريب تدريجيًا لتغرق أولاً محاجر الدولة ثم توغلت أكثر لتتدفق إلى ما وصلت إليه من الأراضى الزراعية، وذلك لعدم اكتمال حفر الترعة حيث لم يتم تنفيذها طبقًا للقياسات الصحيحة، بالإضافة إلى عدم وضع طبقات عازلة بين كل عدة أمتار لمنع تسرب المياه ليستبدلها المقاولون الذين قاموا بالحفر بوضع الدبش كحواجز للمياه ما أدى إلى تسربها.

وطبقًا لما رواه لنا أحد المهندسين الزراعيين بالمنطقة -والذى طلب عدم ذكر اسمه- فإن بداية حفر الترعة كانت على يد خبراء أجانب والذين قاموا بالفعل بوضع الطبقات العازلة كما يجب لأول ثلاث كيلو مترات، إلى أن سافر هؤلاء الخبراء وأوكل لكل مقاول عدة أمتار ليضع الدبش كحواجز بدلاً من الطبقات اللازمة لعدم درايته بها.

وكانت المفاجأة التى كشف عنها المهندس الزراعى أن تلك الأشجار الخشبية -التى حفرت من شأنها تلك الترعة الكارثية وزرعت بالفعل الدفعة الأولى منها بمحاذاتها- ولم يزد ارتفاعها على 5 أمتار منذ 15 عامًا إلى الآن، وبالتالى لم يتم الاستفادة بأخشابها كما خطط لها؛ وذلك لإنشائها بالتربة غير المناسبة، موضحًا أن تلك الغابات الخشبية تحتاج إلى تربة رسوبية والمنطقة التى زُرعت بها جيرية لا تصلح لزراعة الأشجار الخشبية.
الصرف يغزو عرب الحصار (1)

وأكد فرحان سليمان صاحب محجر "البسملة 1" أحد محاجر الطفل المتضررة، أن عمق مياه الصرف الصحى ببعض المحاجر قد يصل إلى 120 مترًا، مشيرًا إلى وجود ما يقرب من 12 محجرًا بـ"عرب الحصار" أغرقت مياه الصرف منها ستة أو سبعة محاجر، كـ"البسملة 1 و2"، "عودة2" و"أبو عطية" ليتبقى أربعة محاجر وهى "أبو حماد 1 و2" و"الشيخ 1 و2"، التى تنتظر نفس المصير فى ظل تراخى الدولة فى نجدتها.

وأوضح أن غرق هذه المحاجر كبد الدولة خسائر هائلة تقدر بملايين الجنيهات بالإضافة إلى إهدار الثروة المعدنية للبلاد، قائلا: "أصحاب المحاجر تكبدوا خسائر كبيرة، فضلاً عن بطالة كثير من العمال نتيجة لتوقف العمل بالعديد من المحاجر، محذرًا الدولة من استمرار الإهمال فى قضية الصرف لأنها ستؤدى إلى خسارة بقية محاجر الطفل والرمال بالمنطقة.
الصرف يغزو عرب الحصار (5)

وتوغلت مياه الصرف الصحى أيضًا لتصل إلى آلاف الكيلومترات لتصل إلى الأفدنة الزراعية فى معظم قرى مركز الصف، وأكثرها تضررًا هى قرى "الشرفاء"، "المنيا"، "عرب الترابين"، وقريتا "عرب الحصار القبلية والبحرية" ليغزوها نبات "الهيش" نتيجة لغرقها بالصرف الصحى بدلاً من المحاصيل الزراعية نتيجة لبوار الأرض.
الصرف يغزو عرب الحصار (6)

ونتيجة لذلك اضطر أصحابها إلى ابتكار طريقة لتفادى خسارة أرضهم والحفاظ على قوتهم وهى أن ينزحوا إلى الأراضى التى توجد بضفاف ترعة "كوم أمبو" الصرفية للزراعة بها لتخرج لنا مزروعات تم ريها بمياه الصرف!؛ المنطق الذى فكر به أهالى القرى نابع من محاولتهم لحماية أراضيهم من تسرب مياه الصرف فيها، حيث قام المزارعون بتوصيلها بمجارٍ متصلة بماكينات لرفع المياه من الترعة المصرفية، لرى محاصيلهم بها وحفروا على حوافها مصرف بعمق 4 أمتار؛ لتتراكم به مياه الصرف الزائدة عن حاجة الأرض، وقاموا بتوصيل تلك المصارف بـ"مخر السيول" لتصب فيه تلقائيًا عند امتلائها، وبدوره يتصل مخر السيول بمياه النيل.

وعلى الرغم من خطورة الأمر، إلا أن المزارعين أنفسهم أكدوا أنهم اضطروا لذلك بعدما أهملت الحكومة المشكلة من البداية، وتركتهم غارقين بالصرف، مشددين على أنهم أرسلوا شكاوى عديدة لمحافظة الجيزة، ووزارتى الرى والزراعة ولا حياة لمن تنادى، وقال أحد المزارعين: "الحكومة هى اللى بلتنا بالترعة دى وفجأة لقينا أراضينا خربت، إما نموت من الجوع أو نزرع بمياه الصرف".
الصرف يغزو عرب الحصار (4)

وقال أحد المزارعين أراضينا القديمة كانت تنتج أفضل المزروعات لخصوبة تربتها، وفجأة وجدنا أنفسنا مجبرين على الزراعة بجوار الترعة والرى منها كما فعل غيرنا، مشيرًا إلى لجوء من بارت أرضهم إلى زراعة آلاف الأفدنة الزراعية بجوار الترعة، لافتًا إلى أن هناك مجموعة كبيرة من المزارعين استسهلوا الزراعة بمياه الصرف ووجدوها فرصة ذهبية لهم لإدرار أضعاف الربح بوقت قصير وذلك لعدم احتياج المزروعات مع مياه الصرف لأى أسمدة أو مبيدات، كما أنها تجعل البذور تنضج بمعدلات أسرع أضعاف المرات بخلاف الرى بالمياه النظيفة، ما جعلها فرصة للمزارعين لكسب أضعاف الربح بوقت قصير.
الصرف يغزو عرب الحصار (2)

وقال تاجر خضار من أهالى القرية هناك اعتقاد خاطئ بأن أراضى الترعة التى تروى بالصرف توزع محاصيلها على نطاق ضيق وأنها قد تقتصر على أهالى الصف فقط، مضيفًا: "ليس طباخ السم الذى يذوقه بمفرده فحوالى 50% من مزروعات ترعة "كوم أمبو" الصرفية توزع فى جميع الأسواق الراقية والشعبية على كل مستوى محافظات الجمهورية، وأضاف أنه حتى مخر السيول -الذى أنشئ لتصريف مياه الأمطار بالنيل- أصبح المزارعون يستخدمونه فى تصريف مياه المجارى الزائدة عن حاجة الرى ويشرب منه جميع المصريين قائلاً "كلنا فى الهوا سوا" وجميع أنحاء البلد تصيبها لعنة هذه الترعة.

وأوضح سعيد سالم أحد أهالى الصف أن هناك العديد من الأسر التى هجرت بيوتها بعد احتلال "الهيش" لها واختباء الحيوانات الضالة فيها كالثعالب والذئاب والثعابين، فأصبح من المستحيل الإقامة بها وحكى أحد الأهالى عن واقعة حدثت بالقرية عن دخول ذئب لأحد المنازل ليؤذى أهله بإصابات بالغة، لذلك يقوم الأهالى بحرق "الهيش" وهو ما يؤدى إلى تصاعد أدخنة تؤدى إلى فساد مزروعات الأراضى التى لم يصل اليها الصرف والهيش بعد.
الصرف يغزو عرب الحصار (3)

وأشار إلى أن مشكلة الصرف بالصف تعدت الأراضى الزراعية لتصل إلى الحيوانات التى نرعاها، والتى أصبحت تشرب من مياه الصرف وتتغذى على الحشائش التى تنمو عليها، مؤكدًا عثورهم على دود بكبد بقر وماعز يذبحونه ما يعنى احتمالية تسمم لحمها.

وأضاف أنه حتى الأسماك أصبحت غير آمنة لأن هناك صيادون استغلوا "الترعة" لإنشاء مزارع سمكية تتغذى على مياه الصرف، موضحًا أنهم يصيدونها بطريقة غريبة من خلال "شباك مكهربة" ليحصلوا على أكبر كمية من الأسماك ميتة بالكهرباء فى وقت قليل بدلاً من طرق الصيد التقليدية.

وأشار حسن عبد النبى أحد أهالى الصف، إلى أن هذه الترعة ليست مليئة بسموم الصرف الصحى فقط وإنما بمخلفات عديد من المستشفيات ومصانع الأسمنت بالمنطقة ما يُبرر ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس الكبد الوبائى والفشل الكلوى فى الآونة الأخيرة بمركز الصف ومحافظة الجيزة بوجه عام.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة