كرم جبر

الرئيس يطلب المستحيل

الخميس، 25 فبراير 2016 08:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«الحمد لله أننى أعمى حتى لا أرى وجوهكم التعسة»، وظلت بصيرة عميد الأدب العربى طه حسين، شاهدا على غيبوبة الوعى والاستنارة، وقوة شوكة لوبى التخلف والجهل والظلام، الذين هتفوا ضده «ارحل يا أعمى»، بعد صدور كتابه «فى الشعر الجاهلى»، لأنه دعا إلى تحرير العقول، وأراد أن يحدث نقلة نوعية فى الوعى، بتأكيده على أن البحث العلمى ليس الخطابة والموعظة الحسنة، وإنما يخضع لخطوات مجردة، ليس فيها إيمان الباحث أو كفره، ولا يخصع لدين أو عقيدة، ويخاطب المؤمنين وغير المؤمنين.

اتهمه حراس القبور فى عقيدته، وسحبوا كتابه من الأسواق، وقامت حكومة إسماعيل صدقى بفصله من الجامعة، واستقال رئيس جامعة القاهرة أحمد لطفى السيد، استنكارا واحتجاجا على النيل من عميد الأدب العربى، الحاصل على الدكتوراة من جامعة السوربون، وقرر رئيس نيابة مصر الشجاع محمد نور الدين حفظ القضية، لأن كتاب طه حسين بحث علمى لا يتعارض مع الدين.

وطارد الجلادون قاضى القضاة الشيخ على عبدالرازق، الأزهرى المتخرج فى إكسفورد، بنفس اتهامات التكفير البغيضة، بسبب مؤلفه «الإسلام وأصول الحكم»، لأنه قال بجرأة: إن الإسلام رسالة لا تتضمن سلطة حكم، وأن النبى رسول لدعوة دينية خالصة، لا تشوبها نزعة ملك ولا دعوة دولة، ويبدو أنه دخل حقل ألغام، حيث كان الملوك العرب يتصارعون على لقب «خليفة»، بعد سقوط الخلافة العثمانية سنة 1925، وأثبتت الأحداث الجسام صحة ما قرره على عبدالرازق، بفصل الدين عن الدولة.

أما الشيخ الجليل محمد عبده، صاحب المقولة الرائعة «ذهبت إلى الغرب فوجدت إسلاما بلا مسلمين، ورجعت إلى الشرق فوجدت مسلمين بلا إسلام»، فقد لقبه معارضوه بالملحد الكافر، لأنه ظل ينتقد الخرافات التى ابتدعها أصحاب المذهب الصوفى، وظل يناشد المسلمين بألا يعتمدوا على تفسيرات النصوص التى جاء بها رجال الدين من القرون الوسطى، مشددا على أن أعظم عظيمين هما استقلال الإرادة، واستقلال الفكر والرأى.

الأمثلة كثيرة وحزينة، لأنها تثبت على مدى مراحلها التاريخية، أن النصر فى معركة تجديد الخطاب الدينى، يكون دائما للمتشددين والمنغلقين وحراس كهوف الماضى، فيشهرون سيوفهم ويصرخون ويزأرون، ويبثون الخوف فى قلوب دعاة التجديد والوعى والاستنارة، ولم يسلم منهم أيضا مؤرخ إسلامى عظيم مثل عباس محمود العقاد، صاحب العبقريات وأعظم من أمسك بالقلم فى القرن العشرين، ولا شيخ الأزهر الجليل محمد مصطفى المراغى، حامل لواء الإصلاح الأزهرى، ورفعوا فى وجهيهما يافطات التكفير وضرب الإسلام.

وعندما يكرر الرئيس عبدالفتاح السيسى النداء بتجديد أو تطوير الخطاب الدينى، أشعر بأنه يطلب المستحيل، لأن الزمن يتقدم والعقول لا تتغير بل تتأخر، ويزيد الأمر غرابة أن الأزهر الشريف يقف ساكنا، ويبدو أن المهمة أكبر من طاقته، وعندما رفض تكفير داعش بزعم أنهم يرفعون الآذان ويقيمون الصلاة، ولم يصارح نفسه بأن هؤلاء يتوضأون بالدماء، ويقيمون الصلاة على أنين المعذبين وصراخ المقتولين.

والنتيجة: وقوع الناس أسرى لفتاوى التشدد والتخلف، وإصابة المجتمع بهيستيريا التكفير، فلا يسمح لصاحب عقل أن يفكر، ولا لمن يريد الإصلاح أن يفتح فمه.

والنتيجة: جفاف التربة عن أن تنبت نبتة فى حجم العقاد أو طه حسين، أو محمد عبده، أوعلى عبدالرازق، أوعبدالوهاب المسيرى، أوعبدالرحمن الكواكبى.

والنتيجة: بكاء المثقفين على حائط الإبداع المزيف والاجتهاد التافه، كلما صدرت أحكاما بحبس أدباء آخر الزمان.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة