اجتمع الكل فى عزاء الأستاذ، يوم الاثنين الماضى، والأستاذ هو محمد حسنين هيكل، والكل يعنى اليسار واليمين والوسط، وسفراء الدول العربية وسفراء دول آسيوية وأفريقية وأوروبية ومن أمريكا الجنوبية، ويعنى «اقتصاديون وسياسيون وإعلاميون وفنانون ورجال أعمال ومواطنون عاديون، وشباب وشيوخ».
الكل جاء للتعزية فى رجل عظيم ورمز ناصع فى تاريخنا، شارك تلاميذه ومريدوه ومختلفون معه، وإذا كان هذا أمرا طبيعيا فى العزاءات، فإنه ليس من الطبيعى أن يخرج البعض بالحدث خارج سياقه، ويطرح أسئلة من نوع، لماذا شارك فلان فى العزاء؟ ولماذا لم يشارك؟ وما هى دلالات المشاركة وعدم المشاركة؟
حدث هذا مع مشاركة وفد من حزب الله، جاء من بيروت خصوصا، وضم مسؤول العلاقات الإعلامية بالحزب الحاج محمد عفيف، ومسؤول العلاقات العربية الشيخ حسن عز الدين، والنائب على المقداد، وانسحبت الأسئلة أيضا على نعى إيران ومشاركة السفير الإيرانى فى العزاء.
تساءل البعض: ولماذا حزب الله؟ ولماذا كانت إيران أول من نعى؟ أسئلة لا تخلو من خبث، فالذين لا يحبون حزب الله ولا يحبون إيران، تناسوا أن للموت جلاله، وأدخلوا القصة فى تضاريس السياسة، واستدعوا حكايات عن علاقة الفقيد بالطرفين، وكأنهم يقدمون لنا انفرادات صحفية، ويتحدثون فى شأن كانت تحوطه أسرار كبيرة، فى حين أن علاقة هيكل بزعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله كانت معروفة، وهيكل نفسه تحدث عن هذه العلاقة فى أكثر من مرة بإيجابية، والتقى بـ«نصر الله» أثناء زياراته إلى بيروت فى السنوات الأخيرة، ولم تكن هذه اللقاءات من باب أن هيكل صحفى تميز بأن سقفه فى المعرفة ليس له نهاية، وأنه يذهب إلى صناع الحدث أينما كانوا، ولكن وهذا هو الأهم أنه ظل على إيمانه المطلق بأن إسرائيل كيان يغتصب أرضا عربية، ويحتل «فلسطين» وبالتالى فمقاومته ضرورة حتمية.
لم يغير هيكل قناعاته فى مسألة الصراع العربى الصهيونى، وكان ذلك من الأسباب الرئيسية التى أدت إلى خلافه مع السادات، وفراقهما من عام 1974، ثم قرار السادات باعتقاله ضمن كل رموز المعارضة المصرية فى حملة 5 سبتمبر 1981، ومن هذه الخلفية، فإن علاقة الراحل العظيم مع حزب الله هى طبيعية، وليست محل استغراب أو تساؤل، ويزيد من ذلك أن هيكل معروف عنه أنه حافظ على استقلاليته، بمعنى أنه لم يكن تابعا لأحد، وفى نفس الوقت الذى صادق حزب الله وقائده، كان له علاقات عميقة مع سياسيين لبنانيين يعارضون الحزب، وبناء على كل ذلك، فإن مجىء وفد رفيع من حزب الله إلى القاهرة لتقديم واجب العزاء، هو التصرف الطبيعى واللائق، ويجب وضعه فى سياقه الطبيعى، يبقى أن نعرف أن شخصيات لبنانية أخرى شاركت فى العزاء مثل عبد الرحيم مراد وزير الدفاع والتربية الأسبق فى لبنان، أضف إلى ذلك أن الصحافة اللبنانية نشرت ملفات محترمة وعميقة عن «هيكل»، وكتب فيها شخصيات لبنانية رفيعة.
وفى مسألة نعى إيران، فليس فى الأمر سر أيضا، فـ«هيكل» التقى الإمام الخمينى قائد الثورة الإيرانية فى منفاه بفرنسا فى 21 ديسمبر 1978، وغضب السادات من هذا اللقاء لعلاقته الحميمة بشاه إيران، والمعروف أن هيكل كان له غرام بإيران، وزاره أكثر من مرة والتقى بالشاه محمد رضا بهلوى ومعارضه محمد مصدق، وقدم إلى المكتبة العربية كتابين «إيران فوق البركان» عام 1951 و«مدافع آيات الله» بعد نجاح ثورتها الإسلامية عام 1979، ومن يراجع هذا الكتاب سيجد فيه نقدا لمسيرة الثورة، ولكن ليس من باب العداء لها، ومن هنا فإن الرجل كان وضاحا كعادته فى آرائه السياسية، وبالتالى كان نعى إيران مسلكا طبيعيا جدا، أما نشر صورته فى الصحافة الإيرانية مع «الخمينى»، فلم يكن سبقا، لأن هذه الصورة سبق وأن نشرها هيكل فى صحيفة الأهرام فى مقال كتبه بمناسبة وفاة الخمينى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
hamzaali
نعم كان ذكيا جدا لعب على كل الحبال