لماذا نقتل وطننا بـ«الإفيهات» السمجة؟
فى إحدى الليالى البهية التى كنا نسهر فيها مع الشاعر العظيم الراحل أحمد فؤاد نجم، حكى لنا حكاية طريفة ظلت عالقة بذاكرتى لسنوات، فكثيرًا ما كانت الشرطة تأتى إلى «حوش قدم»، حيث يسكن أحمد فؤاد نجم، لتعتقله هو ومن معه، وفى إحدى المرات اعتقلت الشرطة أحد جيران «نجم» فى «حوش قدم» بالخطأ، ظنًا منها أنه «شيوعى» مثل «نجم» ورفاقه، وكان هذا الرجل بسيطًا إلى أقصى حد، «أرزقى» على باب الله، يعمل بالصدفة ويكمل عشاءه بالنوم، وكان هذا الرجل الذى نسيت اسمه للأسف بطل هذه الحكاية التى تذكرتها اليوم بفعل فاعل.
اعتقلت قوات الشرطة هذا الرجل البسيط فسأله المحقق عن وظيفته فى التنظيم الشيوعى، والمهام الموكلة إليه، فأنكر الرجل أى معرفة له بالأمر، فأصر المحقق على إلصاق التهمة بالرجل، فقال له الرجل ما معناه «خلاص إنتو الحكومة اللى عارفين كل حاجة»، ووقّع الرجل على المحضر مقرًا بالاتهامات، وفى السجن كانت الأموال والمأكولات تنهال على «نجم» وأصدقائه، ففرح الرجل جدًا بـ«البغددة» التى يعيش فيها، وتمنى لو دامت، ولما خرج أحمد فؤاد نجم ومن معه من المسجونين من الحبس خرج الرجل أيضًا، لكنه بعد خروجه من السجن حدث ما لم يتوقعه أحد، حيث رفض الرجل أى يعمل مثلما كان يعمل قبل السجن، وكان يمضى يومه جالسًا أمام بيته معتزًا بنفسه، واضعًا قدمًا على قدم، ممسكًا بالجريدة، وكلما قالت له زوجته: «قوم اشتغل»، قال لها: «اشتغل إيه يا وليه.. أنا استوظفت فى الشيوعية».
أتذكر الآن هذه الحكاية وأنا أتابع بعض التعليقات التافهة على خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى من جانب الكثيرين من الشباب الذين يبدو أنهم «استوظفوا فى الثورية»، معتقدين أن الثورة «إفيه» وسخرية وسب وشتائم فحسب، تمامًا كما كان ذلك الرجل يعتقد أن الشيوعية عبارة عن بطالة و«أنزحة» وجريدة فى اليد، غير مدركين أن الثورة مشروع له أسباب ومرتكزات وأهداف ومراحل، وأن هذه التعليقات التافهة ألقت التراب على الكثير من القضايا الحقيقية التى فجرها الخطاب، والتى كان من الواجب علينا أن نشغل بها بالنا، ونعد لها العدة سواء بالقبول أو بالرفض، أو حتى بالنقد واقتراح التعديل.
يؤسفنى أن أقول هنا إن الكثيرين من الشباب بهذه التصرفات الهوجاء يخرجون أنفسهم من المعادلة السياسية والوطنية، فلا هم قادرون على أن يكونوا «رجال دولة»، ولا هم قادرون على أن يكونوا «رجال معارضة»، وكل ما يقدرون عليه هو أن يكونوا «ألتراس» لمؤلفى النكات السياسية والمونولوجست، وربما تسهم النكات فى زيادة عدد قراء الصحيفة أو مشاهدى الفيديو أو عدد متابعى صفحات الـ«فيس بوك»، لكنها للأسف لا تسهم فى زيادة الموارد، ولا فى تسديد الدين المحلى أو الخارجى، ولا فى تحقيق المطالب الثورية التى لا يعرف هؤلاء الساخرون معناها أو طريقة طرحها، ناهيك عن طريقة تحقيقها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة