الأيام الماضية شهدت تواتر مكثف للأنباء حول نية بعض الدول توجية ضربة عسكرية للتنظيمات الإرهابية فى ليبيا وعلى رأسها تنظيم داعش الذى أتخذ من مدينة سرت نقطة انطلاق فى محاولة لفرض السيطرة على كامل الاراضى الليبية وصولاً إلى النفاذ فى دول الجوار بداية فى مصر وتونس وبعد ذلك إلى نطاق أوسع.
أحاديث فى واشنطن وأخرى فى باريس وثالثة فى روما حول التدخل العسكرى، لكن للان لم تدور ماكينة الحرب، تماماً كما حدث فى سوريا، فالسعودية وتركيا ملئوا الدنيا حديثاً حول التدخل البرى فى سوريا، لنفاجئ بعدها بعدة أيام باتفاق روسى أمريكى على هدنة فى سوريا يستثنى منها داعش وجبهة النصرة وبقية التنظيمات التى يعتبرها مجلس الأمن إرهابية، وهو ما يدعونا للتساؤل حول أن كانت الأحاديث عن التدخل العسكرى الغربى فى ليبيا مثل تلك الخاصة بسوريا أم أن الوضع فى ليبيا مختلف .
من الناحية العملية والنظرية فأن الوضع فى ليبيا مختلف، لأن هناك شبه أتفاق أو على الاقل توافق بين الدول الكبرى والأخرى المعنية بالوضع فى ليبيا على ضرورة وضع حد للفوضى التى تلتهم ليبيا حالياً، والتى ستحولها قريباً إلى بؤرة للإرهاب فى الشرق الأوسط، خاصة أنه بعد نجاح الضربات الروسية فى سوريا، والتعامل القوى فى العراق ضد داعش، أن عدد من العناصر المنتمية للتنظيمات الإرهابية فى العراق وسوريا بدءوا فى التوجه إلى ليبيا، وهو ما يهدد المصالح الغربية بشكل مباشر، فما يفصل بين ليبيا وأوربا هو البحر المتوسط الذى يشهد موجات من الهجرة غير الشرعية المنطلقة من السواحل الليبية تجاه اليونان وقبرص وايطاليا ومنهم إلى بقية الدول الأوربية التى تخشى من دخول عناصر متشددة أراضيها عبر هذه الموجات من الهجرة غير الشرعية، بما يهدد امنها مثلما حدث فى فرنسا مؤخراً، لذلك فأن الدول الأوربية الكبرى وعلى رأسها فرنسا وايطاليا لديهم يقين تام بأن الحل يكمن فى ليبيا، سواء لتقليل الهجرة غير الشرعية عبر السيطرة على السواحل الليبية على البحر المتوسط، او من خلال توجيه ضربات قوية لداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية الموجودة على الاراضى الليبية، قبل أن تتمدد فى الجوار الليبى .
ما يدلل على النية الغربية فى التعامل العسكرى مع ليبيا هو ما نشرته الصحف الايطالية قبل يومين بأن ايطاليا سمحت للجيش الأمريكى باستخدام طائرات بدون طيار لضرب تنظيم داعش فى ليبيا انطلاقا من قاعدة سيجونيلا الجوية الأمريكية فى صقلية بعد درس كل حالة على حدة، ونقلت صحيفة ايل ميساجيرو عن وزيرة الدفاع الايطالية روبرتا بينوتى قولها انه "يفترض ان يطلب الأمريكيون اذنا من حكومتنا في كل مرة يريدون فيها استخدام" طائرة انطلاقا من سيجونيلا، لافتة إلى أن هذه الضربات ستكون محصورة بالعمليات التى تعتبر "الوسيلة الاخيرة" من اجل "حماية منشآت او موظفين أمريكيين او من كل التحالف" فى ليبيا وجميع انحاء المنطقة.
وقالت وزيرة الدفاع الايطالية ان دولاً غربية تدرس تدخلا مسلحا لوقف تقدم داعش فى ليبيا، ومن بينها بالطبع ايطاليا التى أعربت عن استعدادها لقيادة تدخل عسكري فى ليبيا لكن فقط بتفويض من الامم المتحدة وبطلب من حكومة وحدة وطنية حاصلة على موافقة وثقة البرلمان الليبى المعترف به دولياً .
ولا ننسى أن مقاتلات أمريكية انطلقت الجمعه الماضية من بريطانيا وقامت بضرب معسكر تدريب لتنظيم داعشقرب صبراتة غرب طرابلس، وبعدها بثلاثة أيام تحديداً الاثنين الماضى أعلنت وزارة الدفاع الامريكية " البنتاجون " أن تلك الغارة حالت دون وقوع هجوم كان التنظيم الإرهابى يعد على الارجح لتنفيذه فى تونس المجاورة، حيث أسفرت الغارة الأمريكية عن مقتل 49 شخصا وكان الهدف الرئيسى لها القيادى الميدانى فى التنظيم الأرهابى، التونسى نور الدين شوشان، الذي يعتقد انه المدبر الرئيسى للهجومين الذين شهدتهما تونس العام الماضى، وأسفرا عن 22 قتيلا فى الهجوم على متحف باردو بالعاصمة تونس، و38 قتيلا فى هجوم على منتجع سياحى قرب مدينة سوسة .
أذن فكرة التدخل العسكرى الغربى بشكل موسع فى ليبيا موجودة، وتحديداً فى منطقة غرب ليبيا التى تشهد نمواً للتنظيمات الإرهابية تحت رعاية جماعة الأخوان التى تسيطر على مدينة طرابلس وسرت، لكن هذه الفكرة لازالت محل دراسة من الدول المعنية للتوصل إلى تاريخ محدد، مع توضيح للأهداف، وان كان هناك توجه للانتظار قليلاً إلى حين يعيد الجيش الوطنى الليبى انتشاره فى الشرق الليبى بشكل يسمح له من مواجهة فلول التنظيمات الإرهابية .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة