زميلى وصديقى دندراوى الهوارى كتب مقالاً بعنوان «سفالة وانحطاط شقق الدعارة.. عن أحمد ناجى أتحدث»، والعنوان بالتأكيد يعبر عما يضمه المقال، وبالتأكيد لا أنفى حق زميلى الأستاذ دندراوى أن يرى فى رواية أحمد ناجى، المحبوس، أنها سفالة وانحطاط، كما بالتأكيد لا أنفى حقه فى أن يعلن رأيه للقاصى والدانى، لكننى أحتفظ أيضًا بحقى فى أن أرد عليه، وعلى كثير ممن يتبنون وجهة نظره فى الهجوم على ناجى، والتصفيق لسجنه.
1 - كتب الأستاذ دندراوى يقول: «لم أتصور أن تتحول السفالة والانحطاط والحديث عن الجنس بلغة أفلام البورنو إلى عمل أدبى تنشره صحيفة قومية».. وعما قال أرد عليه بأن هذا كتاب تكفلت بنشره بداية دار نشر ككل الكتب، وأعادت نشر أجزاء منه مجلة «أخبار الأدب» المتخصصة فى الإشارة للأعمال الأدبية، سواء جيدة أو سيئة، لطرحها على النقاد والمهتمين بأدب الرواية، والثقافة عمومًا، أى أنها جريدة متخصصة، فهل تبدو لى كلماتك واعتراضك الأول أن المشكلة تقع فى أن صحيفة قومية هى من أعادت النشر، فهل لو كانت صحيفة خاصة كـ«اليوم السابع» مثلاً أو غيرها نشرت أجزاء من الرواية ما كنت ستعترض؟!
2 - الأستاذ دندراوى الزميل والصديق يتساءل فيما كتب: «ما الإبداع فى أن تصف لى علاقة جنسية فجة ومنحطة ويتم ترجمتها على الورق ويرفضها المجتمع ويراها كارثة مدمرة للقيم الأخلاقية، ثم يدلى القضاء بدلوه فتخرج علينا جوقة الهم والغم والقرف رافضين موجهين سهام النقد للدولة، وأن فى ذلك عودة للقمع؟».
ولو أنى تحدثت بنفس منطق الزميل والصديق فسأطرح تساؤلاً مماثلاً: وما الإبداع الذى رأته البشرية على مر عصورها فى لوحات وتماثيل عارية لكبار فنانى العالم على مدى التاريخ، واعتبرت أعمالهم من التراث العالمى الذى لا يُقيم كأعمال مايكل أنجلو وغيره؟، وما الإبداع فى كتابات باولو كويلو وغيره من كتاب من كل بقاع الدنيا يكتبون عن علاقات جنسية وعبارات قد تراها فئات بعينها تجاوزًا، لكن يراها آخرون إبداعًا؟، وسأجزم معك أن المجتمع المصرى الشديد التقوى، الصالح الذى لا فساد فيه يرفض مثل هذه الروايات، فهل من حق القضاء أن يدلى بأى دلو فيما لا يخصه، مثل أدب الرواية، تمامًا كما يدلى بدلوه فى نصوص السرقة والقتل؟!
3 - الزميل والصديق دندراوى كتب: «إن هناك فارقًا شاسعًا بين حرية الرأى وحرية التعبير»، وهو خطأ فادح لا يحتمل الاختلاف حوله، فحرية التعبير هى جزء من حرية الرأى، ولا فارق شاسعًا أو ضيقًا بينهما، فهما جناحان للحرية، وأنت بقولك تكسر أحد الجناحين، فحرية الرأى معناها أننى حرة فيما أرى وأعتقد، فلو افتقدت حرية التعبير عن هذا الرأى، فمعناه أن الرأى لن يتجاوز صدر صاحبه، وهى حرية مبتورة أقصى طموحات صاحبها أن يغلق على نفسه باب غرفة، ويصرخ لنفسه بما يعتقد، ويظن ويقول أنا حر فقط فى الغرف المغلقة، فهل تلك هى الحرية التى تفهمها وتريدها للمصريين، خاصة وللبشر عامة؟!، لو كان الأمر كذلك فأنت يا صديقى تريد لنا حرية مكسورة الجناحين.
4 - يا زميلى وصديقى دندراوى، وضعت هذه الأسماء بشكل متتالٍ فى مقالك، عاصم عبدالماجد، ووجدى غنيم، وسلمان رشدى، ونجيب محفوظ كلهم فى كفة واحدة، وتلك مصيبة، لأنك خلطت الأوراق والأسماء بصورة غير مسبوقة، فعبدالماجد ووجدى غنيم إرهابيان فكرًا وفعلًا، وجاهلان قولاً وحقًا، أما سلمان رشدى فكاتب يُرد عليه بكتاب أو مقالات، كمقالك، أو نقد أدبى وفكرى، ولكننا معشر المسلمين نستسهل أن نصرخ معترضين على من يخالفنا أو حتى يهاجمنا بعمل، ونستصعب أن نرد عليه بعمل مماثل أو أفضل يرد عن رسولنا الكريم الهجوم عليه، وعلى ديننا، فنحن يا صديقى أمة أقصى جهدها أن تلصق «ستيكر» على سياراتها مكتوبًا عليه «فداك أبى وأمى يا رسول الله» وليس حتى «فداك أنا يا رسول الله»، فتلك أقصى أمانينا وأعمالنا دفاعًا عن معتقدنا.
أما ثالثة الأثافى يا زميلى وصديقى أن تجمع اسم نجيب محفوظ مع إرهابيين جهلاء، أو مع كاتب قليل القيمة كسلمان رشدى، ولا حاجة لنجيب محفوظ ولا لك أن أقول من يكون الرجل الذى وضع- ومازال- اسم مصر واللغة العربية التى كتب بها فى مصاف دول العالم.
5 - كتبت يا زميلى وصديقى دندراوى تتساءل: «هل تسمح لزوجتك أو أمك أو بنتك بقراءة هذا العبث الأخلاقى؟».
وأنا أتساءل بدورى: لماذا قصرت تساؤلك على النساء، فهل لو قرأها الزوج أو الأب أو الابن دون النساء تقبل بمنطق أن النساء وحدهن يجب ألا يتعرضوا لكتب فيها «قلة أدب»، أو كأنك تدعو لاتجاه جديد فى أدب الرواية، وهو رواية لكل أفراد الأسرة، وللحق هذا منطق ثبت فساده، فحين خرجت علينا طائفة من أهل السينما بمصطلح السينما النظيفة لكل أفراد الأسرة، خرجت علينا أفلام ما أنزل الله بها من سلطان فى سوء القيمة الفكرية والفنية، ولنا فى أفلام محمد سعد أسوة، فالرجل يتباهى بأن أفلامه لا تحوى قبلة واحدة، ويا ليتها حملت قبلات معها أفكار قيمة.. الرواية والفيلم وحتى الأغنية، وأى عمل إبداعى ليس من بين قواعده أن يكون لكل الأعمار والفئات، فلكل فئة فن وإبداع يُحدثه أو يستسيغه، ولكن الفن والإبداع الذى يدعى أنه «بتاع كله» رياء وبلا قيمة.
6 - كتبت تقول يا زميلى العزيز: «جوهر ثقافتك أن تحترم ثقافة غيرك ولا تفرض رأيك»، ولهذا التعبير والمعنى أصفق لك تحية، ولكنك لم تكمل عبارتك إلا وأضفت إليها: «إن جوهر الثقافة ألا تسير عكس ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع»، وأنت بذلك يا صديقى تضع قاعدة كارثية لو سارت عليها البشرية ما تطورت، فهذا هو منطق المجتمعات التى أحرقت جاليليو لأنه قال بأن الأرض كروية، وهو نفس منطق مجتمع كفار قريش، ومن قبلهم قوم نوح، وفرعون موسى، وقوم عيسى، وغيرهم من الرسل سلام الله عليهم جميعًا حين آذوهم وقتلوهم لأنهم خالفوا ما وجدوا عليه آباءهم، ونعم أنا أؤيدك تمامًا فيما قلت إن من يرد ألا يصوم فليفعل ولكن لا يستخف بعقيدتى، وبنفس المنطق والحق الذى منحنا له الخالق علينا كصائمين أن نترك من لا يصوم حرًا طليقًا، ويجب علينا نصحه، ولكن ليس من حقنا سجنه، فلنا جميعًا رب واحد أحد سيحاسبنا يوم الجمع العظيم.
7 - فى مقالك يا صديقى وزميلى أشرت بالاستهجان أن وائل غنيم دافع عن ناجى، الأديب المحبوس، وأخذت عليه أن أول عبارة قالها إنه لم يقرأ الرواية، وتساءلت: «كيف تضع قريحتك تنطلق فى مسار حشد المدافعين دون أن تكلف نفسك عناء قراءة الرواية لتقف على أرضية التقييم الموضوعى؟»
وأنا سأجيبك عن هذا السؤال نيابة عن وائل غنيم، ليس دفاعًا عنه بالتأكيد، ولكن لأننى فقط مثله فى تلك الحالة، فأنا لم أقرأ الرواية ولن أقرأها، ورغم هذا أقف ضد سجن كاتبها، لأن التقييم الموضوعى كما طلبت من وائل غنيم ليس وظيفته، ولا «يفهم فيها»، وليس من حقه ولا من حقك، بل فقط من حق نقاد الأدب، وبالتأكيد وبداهة ليس من حق قضاة المحاكم، فالمحاكم يا صديقى والقضاة فقط من حقهم الحكم الموضوعى على اللصوص والقتلة، أما محاكم الأدب والسينما والفن بأشكاله من حق محاكم النقاد، كل فى مجاله، وهناك أيضًا محكمة الجمهور من قراء أو مشاهدين، فإذا أساء كاتب ما يكتب فيكفيه هجر كتبه، أو أساء أى مبدع يظن أنه مبدع فإن أقصى عقاب له هو هجر الجمهور لعمله، وهجوم النقاد عليه، ولكن ما حدث فى حالة أحمد ناجى أنه كان كاتبًا لم يقرأ له إلا عدد لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، فإذا بروايته بعد سجنه وتصفيق البعض مثلك لهذا العقاب يتم تحميلها على شبكة الإنترنت 2 مليون مرة، وهكذا يا صديقى، فدون أن يدرى القاضى الذى حكم عليه، ومن قبله النيابة التى لم تستسلم، وآخرون مثلك كلكم ساهمتم أيها الكارهون لأدبه السافل المنحط فى تحويل أديب مغمور «قليل الأدب»- كما قلت- لكاتب سيخرج بعد عام من سجنه وهو أشهر من نجيب محفوظ، وأهم منه بالنسبة للعالم، ويتحول لأديب عالمى يتم تكريمه فى كل محفل أدبى بفضلكم يا من تخافون على تقاليد مجتمعنا الواهية، مجتمعنا الذى يغطى رأسه ويعرى مؤخرته، ويكتفى بلصق ورقة «فداك أبى وأمى يا رسول الله».
حنان شومان
ربما تكون سفالة وانحطاطاً لكنكم روجتم لها.. عن مقال لدندراوى الهوارى أتحدث
السبت، 27 فبراير 2016 05:09 م