يشعر الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، بخيبة أمل من الاتفاق الأمريكى الروسى على وقف إطلاق النار فى سوريا، والذى يدخل حيز التنفيذ اليوم، السبت، وفيما يترقب العالم كله مدى إمكانية نجاح هذا الاتفاق، يرحب أردوغان بالاتفاق لكنه يقول فى الوقت نفسه: «للأسف لم يستطع الغرب والولايات المتحدة وروسيا وإيران والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة أن يقفوا شامخين احترامًا للإنسانية»، وأضاف متهمًا: «كل هذه الدول بسبب حساباتها الخاصة سمحت بشكل مباشر أو غير مباشر للنظام السورى وداعميه بقتل قرابة نصف مليون شخص برىء».
حقيقة الأمر أن إحباط أردوغان ليست لها علاقة بحقوق الإنسان، ولا بالدماء التى سالت فى هذه الحرب المجنونة، إنما بتأكده أنه لم يعد اللاعب الرئيسى فى الأزمة السورية، صحيح أن حقائق الجغرافيا بتواصل الأراضى بين البلدين تفرض وجود اللاعب التركى فى الشأن السورى، ولكن نوعية هذا اللاعب، وطريقة أدائه هى التى تبين ما إذا وجوده شرًا أم خيرًا بالنسبة لسوريا، وإذا أخضعنا كل التطورات التى مرت بالمنطقة منذ ثورات الربيع العربى، سنجد أن طموح اللاعب التركى هو إنزال الهزيمة بكل من حوله ولكن بأى ثمن، ومن لا يساعده على بلوغ هذا الهدف فهو خصم بكل ما يحمله هذا المعنى، ومن السهل المرور على الأزمات التى مرت بالمنطقة فى السنوات الأخيرة كى نعرف منها كيف مارست «تركيا أردوغان» دورها دون أى مراعاة لحقوق الإنسان، وسنعرف منها لماذا يذرف الدمع على زوال حكم جماعة الإخوان فى مصر؟
دموع أردوغان على زوال حكم جماعة الإخوان فى مصر، هى نفس دموعه التى يذرفها الآن على احتمالات هزيمة الإرهابيين فى سوريا، واتهامه لكل الأطراف الدولية والإقليمية بـ«عدم احترام الإنسانية» ما هو إلا قول خبيث يريد منه أن يبعد الأنظار عما اقترفه من جرم حين فتح حدوده لدخول الإرهابيين من كل بقاع العالم إلى سوريا، ووصل عددهم- وفقًا لآخر التقديرات- ما يزيد على 25 ألف إرهابى، موزعين على «داعش» و«النصرة» وكل التنظيمات الإرهابية الأخرى.
فعل أردوغان ذلك وفق لعبة إقليمية ظن منها أنها ستجلب كل الفوائد لتركيا، وستجعله اللاعب الإقليمى الأول، بما يعنى أنه سيكون باب المرور للمنطقة، وبذلك يستطيع تثمين دوره وتعظيمه فى أوروبا، ولتحقيق هذا الطموح مارس دور الشيطان، بوضع يده فى يد الإرهابيين، وتقديم كل الدعم لهم لإسقاط نظام بشار، وهدم مؤسسات الدولة السورية، والقضاء على الجيش العربى السورى، ووفقًا لذلك فإن القصة كلها من الزاوية التركية ليست لها علاقة بمساعدة العرب على طريق الحرية والديمقراطية، إنما هى فى الأصل- وكما قلنا- طموح تركى خالص يتم تمريره باستثمار تاريخ قديم عن الخلافة الإسلامية التى حملتها الدولة العثمانية لقرون.
يغضب أردوغان من التوصل إلى اتفاق إطلاق النار لأن نجاحه سيؤدى إلى غلق «حنفية» المصالح التركية فى هذه الأزمة، وفى ذلك علينا أن نتذكر الاتهامات الروسية التى قيلت من الرئيس الروسى بوتين، ووزير الخارجية لافروف عن أساطيل النفط التى تشحنها «داعش» من الأراضى السورية إلى تركيا، وقدمت روسيا صورًا التقطتها عبر الأقمار الصناعية لهذه الأساطيل، ويقود ذلك إلى جانب آخر من التفسيرات التى يمكن التوقف عندها لفهم إحباط أردوغان.
بناء على كل ما سبق، فإن فشل تطبيق الاتفاق الروسى الأمريكى بوقف إطلاق النار لن يكون بمعزل عن دور تركى لتأجيج الصراع من جديد، أما فى حال نجاحه فلنترقب بعده تراجعًا للنفوذ التركى مستقبلاً فى محيطه الإقليمى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد علي
خلط الامور .. وتسطيح المواقف