أهم من التكنولوجيا.. تشغيل التكنولوجيا
تناولنا قضية المزلقانات التى تبدو مستعصية على الحل، وكل يوم هناك كارثة، تضيع فيها الحقيقة، ويسارع كل طرف بتعليق المسؤولية فى أقرب شماعة. وقبل أن تجف دماء ضحايا مزلقان العياط، وقع تصادم جديد فى مزلقان منوف، قطار أطاح بسيارة نقل، بما يؤكد فكرة أن الموت هو القاعدة، وأن النجاة استثناء، يأتى بستر ربنا علينا، ومراعاة لظروف الغلابة على الطرقات، ممن يدفعون الثمن مضاعفا بسبب العقول القديمة التى تتحكم فى عالم النقل والطرق، سواء فيما يتعلق بالقطارات فى غياب التكنولوجيا، والاستمرار فى اعتماد طرق يدوية وبدائية، أو فى الطرق التى تغيب فيها الرقابة، بينما الدنيا تغيرت وأصبحت عناصر الأمان فى القطارات وطرقها أقرب للطائرات. ونفس الأمر بالنسبة لضبط الطرق، وغياب الرادارات واللجان لمواجهة السرعات الجنونية.
وقد يرد واحد ليقول: أين نحن من دول العالم التى لديها إمكانات تكنولوجية، وأرد لأقول إن الجرارات الجديدة المستعملة فى سكك حديد مصر خلال السنوات العشر الأخيرة حديثة ومزودة بكل أدوات الأمان، بل إنها تعمل أتوماتيكيا لتفادى الحوادث وتتوقف، وهناك مفاجأة يكشفها حادث العياط، حيث كشفت التحقيقات أن المزلقان كان معطلا، وأن العامل نبه القطار بالطرق المعهودة، وأن السيمافورات كانت تضىء بالأحمر. وأن القطار به جزرة توقفه أتوماتيكيا فى حال لم ير السائق التنبيهات، وقد برر السائق الأمر بالشبورة، لكن التحقيقات تثبت أن السائق عطل جزرة التوقف التلقائى، بما يعنى أننا لا نفتقد للتكنولوجيا، وإنما للعقول التى تتحكم فيها وتشغلها.
وقد كشف لى مسؤول بالنقل من سنوات أن القطارات الحديثة بها إمكانات أمان عالية، وأنها تصدر تنبيهات للسائقين، ولهذا يشعرون بالدوشة فيعطلون الأجهزة الحديثة، ومنها أجهزة إنذار الحريق، لأنها تمنعهم من عمل الشاى أو التدخين. بما يعنى أن الأدوات والتكنولوجيا متوفرة، ونحن الذين نعطلها ونسير بالبركة، وينسون «اعقلها وتوكل».
بالتالى وعلى عكس ما يردد البعض فإن التكنولوجيا توفر المال والجهد، والأمان، لكنها فقط تحتاج إلى عقول جديدة تتعامل مع هذه التكنولوجيا، التى تجعل نسبة الحوادث فى الدول التى نستورد منها القطارات أقل من واحد من عشرة فى الألف. بينما نحن ندفع أموالا ونهدرها، بسبب العقول القديمة. وما ينطبق على القطارات والمزلقانات ينطبق على الطرق، وغياب نظام مراقبة بالكاميرات والرادارات يمكنه توفير الجهد والوقت والمال، والأهم أرواح ودماء المواطنين. وبالتالى فالأهم من التكنولوجيا من يشغلها، وكيف يستعملها، ومن الصعب على عامل مسكين بلا تدريب أن يتعامل مع أدوات وتكنولوجيا حديثة ومتطورة. وحدث أن كنا نمتلك فنيين يشغلون المصانع المعقدة فى كل مكان.