مصير الجنيه فى يد السعودية والصين.. نجاح خطة الحد من الواردات وتدفق مساعدات المملكة والتنين الآسيوى ينقذان العملة المحلية من انخفاض محتمل فى 2016.. وموافقة "النواب" على قرض "النقد" قد تعجل بالتعويم

الخميس، 04 فبراير 2016 06:57 م
مصير الجنيه فى يد السعودية والصين.. نجاح خطة الحد من الواردات وتدفق مساعدات المملكة والتنين الآسيوى ينقذان العملة المحلية من انخفاض محتمل فى 2016.. وموافقة "النواب" على قرض "النقد" قد تعجل بالتعويم صورة أرشيفية
تحليل - ياسمين سمرة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يزال مصير الجنيه المصرى فى العام الجديد محاطا بالغموض وسط تكهنات بتخفيض جديد محتمل، عززها قرار محافظ البنك المركزى برفع الحد الأقصى للإيداعات الدولارية من 50 ألف دولار شهريا إلى 250ألف دولار، وهى خطوة أكد العديد من الخبراء أنها تمهيد لتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار.

على الجانب الآخر، رجحت مؤسسات دولية إرجاء قرار تخفيض العملة المحلية خلال 2016، بدعم من المساعدات المالية التى تعهدت بها كل من الصين والمملكة العربية السعودية، فضلا عن استمرار سعى الحكومة لتدبير قروض من مؤسسات دولية لدعم الموازنة وأغراض استثمارية وتنموية.

وذكرت "ميريل لينش"، وحدة الأبحاث فى بنك أوف أمريكا، فى تقرير حديث لها إن مصر تستطيع تفادى تخفيض حاد فى قيمة الجنيه فى 2016، إذا ما تحققت الوعود بالمساعدات خلال الوقت المحدد لها.

كما أكدت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتمانى أن الدعم المالى الذى تعهدت به كل من السعودية والصين لمصر مؤخرا، له مردود إيجابى على التصنيف الائتمانى لمصر، لأنه عزز ميزان مدفوعات البلاد الذى تعرض للضغط فى الآونة الأخيرة بسبب تزايد عجز الميزان التجارى، وضعف قطاع السياحة وانخفاض تدفقات الودائع والمنح من الخليج.

ويرى العديد من الخبراء وبنوك الاستثمار أن الجنيه المصرى مقوم بأعلى من سعره الحقيقى الذى يعكس العرض والطلب، وهو ما يقلل من تنافسية الصادرات المصرية كما يعد سببا فى عزوف الكثير من المستثمرين الجانب على دخول السوق لحين استقرار سوق الصرف.

لكن سياسة البنك المركزى، برئاسة طارق عامر المحافظ الجديد الذى تولى منصبه رسميا فى أواخر نوفمبر الماضى تميل إلى الحفاظ على قيمة الجنيه أمام العملة الأمريكية، بعد سلسلة من التخفيضات فى عهد المحافظ السابق هشام رامز، أفقدت الجنيه المصرى حوالى 12% من قيمته فى 2015.

وكانت أولى قرارات "عامر" المعروف بسياساته الدفاعية عن الجنيه، رفع قيمة الجنيه 20 قرشا أمام الدولار، ثم الإعلان عن حزمة إجراءات وضوابط تستهدف الحد من فاتورة الواردات ورفع الجمارك على بعضها.

ومن المتوقع أن توفر قرارات رفع الرسوم الجمركية على حوالى 600 مجموعة سلعية وقرارات الاستيراد والعملة التى اتخذتها الحكومة والبنك المركزى، حصيلة قدرها 20 مليار دولار خلال 18 شهرًا، وفقا لتصريحات مسئول حكومى رفيع المستوى.

وقفزت فاتورة الواردات المصرية إلى 61 مليار دولار، فى العام المالى 2014/2015، فى حين تراجعت الصادرات إلى 22 مليار دولار، ليصل العجز فى الميزان التجارى إلى 39 مليار دولار، مقابل 34.1 مليار دولار فى العام المالى السابق.


المساعدات الخارجية تعزز الاحتياطى الأجنبى



واضطرت الحكومة للتوسع فى الاقتراض الخارجى بسبب تراجع احتياطى النقد الأجنبى إلى 16.4 مليار دولار نهاية ديسمبر مقابل 36 مليار دولار قبل ثورة يناير، نتيجة توقف المنح الخليجية خلال العام المالى الحالى.

ولجأت الحكومة للتفاوض مع البنك الدولى والتنمية الإفريقى للحصول على قرضين بإجمالى 4.5 على مدار 3 سنوات، بواقع 3 مليارات دولار من الأول و1.5 مليار دولار من الأخير لدعم الموازنة. وحصلت مصر فى ديسمبر الماضى على موافقة البنكين على الدفعة الأولى من القرضين بواقع مليار دولار من البنك الدولى و500 مليون دولار من بنك التنمية الإفريقى.

ووافقت السعودية على إقراض مصر 20 مليار دولار لتمويل شراء منتجات بترولية خلال الخمس سنوات المقبلة، إلى جانب المفاوضات بين المجلس التنسيقى السعودى المصرى بشأن ضخ استثمارات ضخمة فى السوق المصرية بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

وخلال زيارة الرئيس الصينى للقاهرة فى يناير الماضى، تعهدت الصين باستثمارات قيمتها 15 مليار دولار فى قطاعات التشييد والبناء، والنقل، والطاقة، والبنية التحتية، إلى جانب وديعة دولارية بقيمة مليار دولار لدى البنك المركزى المصرى، بالإضافة إلى تسهيل ائتمانى بقيمة 700 مليون دولار من بنك التنمية الصينى.

الضغوط مستمرة على الجنيه رغم التمويلات الخارجية

وذكرت "موديز" فى تقرير لها بالإنجليزية حصل "اليوم السابع" على نسخة منه، إن السعودية لا تزال ملتزمة بدعم مصر، بالرغم من الضغوط المالية المتزايدة التى تواجهها دول الخليج من جراء طول مدة تراجع أسعار النفط.

وأشارت إلى أن التعهدات بتمويلات خارجية خلال 2016، دفعت البنك المركزى إلى تخفيف القيود على رأس المال برفع الحد الأقصى للإيداعات الدولارية لدى البنوك إلى 250 ألف دولار مقابل 50 ألف دولار.

وترى "موديز" أنه بالرغم من أن قرار زيادة حد الإيداع الدولارى يستهدف تعزيز السيولة الدولارية لدى البنوك المحلية، لكنه لن يكون كافيا لتخفيف الضغوط المتزايدة على العملة الأجنبية التى تواجهها البنوك المصرية، مفسرة ذلك بأن الودائع الجديدة ستظل أدنى من المبالغ المطلوبة لتمويل الواردات.

ورغم ذلك، ترى "ميريل لينش" "التعهدات التى تم الحصول عليها ليست كافية لتعزيز احتياطيات العملات الأجنبية إلى منطقة أكثر أمنا، وبالتالى فإننا لا نزال نرى الضغط على الجنيه المصرى قائما".

تخفيض الجنيه "حقيقة مرة"


وأكد هانى توفيق، الخبير الاقتصادى ورئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر، أن قرار زيادة حد الإيداع الدولارى خطوة على الطريق الصحيح، مطالبا بإلغائه تدريجيا بالنسبة للأفراد والشركات.

وأضاف توفيق فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هذا القرار خطوة تمهيدية لتخفيض الجنيه وتحرير سعر الصرف، لافتا إلى أن قرار فرض سقف الإيداع الدولارى وغيره كان إجراءات وقائية تستهدف بالأساس محاربة السوق السوداء للعملة، وتأجيل تخفيض الجنيه وهو ما وصفه بـ"الحقيقة المرة".

وأردف قائلا: العالم كله يشهد حالة من التباطؤ الاقتصادى، ما دفع العديد من الدول خاصة فى الأسواق الناشئة إلى تخفيض عملاتها لحماية المزايا التنافسية لأسواقها وصادراتها، فى حين تصر مصر على دعم عملتها المحلية.

ولتخفيض العمة المحلية أمام الدولار فى بلد يستورد أكثر من 70% من احتياجاته من الخارج، تداعيات سلبية على الفقراء ومحدودى الدخل، إذ يصاحبه ارتفاعا كبيرا فى الأسعار نتيجة تراجع القوة الشرائية للجنيه.

ورغم ذلك، يرى الخبير الاقتصادى أنه "لا يوجد حل سهل فى بلد ينتج أقل مما يستهلك، ويستثمر أقل مما يدخر، ويستورد أقل مما يصدر.. مما يجعل كل المعادلات الاقتصادية ليست فى صالح الجنيه المصرى"، على حد قوله.

وأكد "توفيق" أن قرارات الحد من الواردات غير الأساسية والسلع التى لها بديل محلى، تساعد على تحجيم الطلب على الدولار وتخفيف الضغط على الاحتياطى النقدى، لحين تطوير منظمة الإنتاج المحلى وإنشاء صناعات جديدة تحل محل المستورد.

خيارات تمويل الفجوة التمويلية


وقدرت حكومة المهندس شريف إسماعيل الفجوة التمويلية فى برنامجها المقرر عرضه على البرلمان خلال الأيام المقبلة بنحو 27 مليار دولار على مدار الـ3 سنوات المالية المقبلة، وفقا لمسئول حكومى رفيع المستوى.

وتوقع صندوق النقد والبنك الدوليين أن تصل الفجوة التمويلية إلى 32 مليار دولاراً فى الفترة ذاتها، ما يجعل متوسط الفجوة حوالى 30 مليار دولار بواقع 10 مليارات دولار سنويًا، وهى أزمة تدرس الحكومة عدة خيارات لتدبيرها فى ضوء تدنى موارد الدولة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة والصادرات.

وأضاف المسئول، الذى طلب عدم ذكر اسمه، أن الحكومة تفكر جديًا فى سد تلك الفجوة عبر محورين أحدهما يتعلق بزيادة الاستثمار بقطاع المشروعات التنموية، إلى جانب الاقتراض من الخارج، ومن بين بدائل التمويل التى تدرسها الحكومة بجدية لسد الفجوة التمويلية، اللجوء إلى صندوق النقد الدولى.

وكشف مسئول حكومى رفيع المستوى لـ"اليوم السابع" فى وقت سابق، أن الحكومة تدرس اقتراض 6 مليارات دولار من صندوق النقد الدولى، وهو الأمر الذى سيحسمه البرلمان.

هذا الخيار قد يجعل قرار تخفيض الجنيه أمرا واقعا، حيث أبدى الصندوق ملاحظاته فى أكثر من مرة على ضرورة تبنى سياسة صرف أكثر مرونة.

وفى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أوصى كريستوفر جارفيس، رئيس بعثة صندوق النقد الدولى لمصر، بضرورة تبنى سياسة صرف أكثر مرونة تركز على تحقيق سعر الصرف الحقيقى وتتجنب تقويم العملة بأعلى من سعرها"، فى تلميح واضح إلى ضرورة تخفيض الجنيه أمام الدولار.

وأضاف جارفيس أن تلك السياسة المرنة "من شأنها تحسين توافر النقد الأجنبى، وتعزيز التنافسية، ودعم الصادرات والسياحة وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، الأمر الذى يدعم النمو وفرص العمل ويحد من احتياجات التمويل".

سيناريوهان يحددان مصير الجنيه

ومما يسبق، نستنتج أن الجنيه يواجه سيناريوهين لا ثالث لهما، الأول هو استمرار سياسة الحفاظ عليه التى يتمسك بها البنك المركزى بقيادته الجديدة وفى وجود فاروق العقدة المحافظ الأسبق الذى عرف بنفس السياسة.

نجاح هذا السيناريو مرهون بنجاح خطة الحد من الواردات والتزام الرياض وبكين بما تعهدت به من مساعدات مالية واستثمارية لمصر، إلى جانب نهوض الصناعة المحلية لتعويض المستورد وزيادة الصادرات.

أما السيناريو الثانى فهو اتجاه الدولة إلى اتخاذ خطوات إصلاحية كبرى تشمل تحرير سعر الصرف وتحمل تداعيات ذلك على المدى القصير والمتوسط، وهو اتجاه سيكون مرتبطا بقرار الحكومة الاقتراض من صندوق النقد الدولى.

ومن ثم، فإن السيناريو الثانى مرهون بموافقة مجلس النواب، على الاقتراض من صندوق النقد الذى لا يحظى بشعبية كبيرة داخل الشارع المصرى الذى يربط ذهنيا بين الصندوق والإجراءات التقشفية القاسية، وهو قرار غير متوقع بنسبة كبيرة بعد رفض البرلمان بأغلبية ساحقة لقانون الخدمة المدنية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة