وائل السمرى

الراقصون عرايا

الأحد، 07 فبراير 2016 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتحلَّق الناس حولهم، لا لقيمة فيهم ولا لرسالة يبلغونها ولا لعرض يؤدونه، وإنما ليتفرجوا، فى داخل الإنسان جزء فضولى يهوى الفضائح، وهم «مفضوحون» وفاضحون، يرقصون عرايا فى الشارع العام، يبالغون فى إظهار سوءاتهم، يتعمدون جرح «الشعور العام» فيستفزون الجانب المظلم فى النفوس والقطاعات الخبيثة فى الأرواح، فيحسب الجاهل أن بضاعتهم رائجة وأن «رقصهم» مطلوب، فى حين أن «الرخص» الذى يتباهون فى استعراضه كفيل بأن يجعل أغنى البلاد أفقرها، وأزهى البلاد أعتمها.

تخيل لو أنك تمشى فى الشارع مشغولا بأمر ما، ثم مر أمامك رجل بلا ثياب، فهل ستملك ألا تنظر؟ وهل ستملك ألا تندهش؟ وهل ستملك أن تكبح الفضول فى داخلك لمعرفة «إيه الحكاية»؟

هم كذلك بالضبط، يعتمدون على الإثارة من أجل الإثارة، وفى مجتمع اختلت فيه المعايير يصلح لهم الكلمة العليا، بعض الناس يردد خطأ أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة، لكن قانون السوق يؤكد عكس هذا، فالعملات الرديئة تكسب فى نهاية المطاف ما لم تجد لها رادعا، فقديما حينما تم اختراع قاعدة «العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة» كان التعامل بالعملات الذهبية والفضية، وكانت الدولة وهى المسؤولة عن سك العملة حينما تمر بمرحلة فقر أو نقص فى الموارد تأمر بسك عملات من عيار أقل أو بوزن أقل، وهو الأمر الذى كان يدفع أصحاب الأموال إلى اللجوء إلى إخفاء أموالهم ذات العيار المرتفع، وهو ما عرف تاريخيا بظاهرة «التكنيز» بأن يجمع كل تاجر أمواله ويضعها فى الأوانى الفخارية ويدفنها فى الأرض، ويوم بعد يوم تختفى العملات الجيدة من السوق وقد ملأت بواطن الأرض، بينما تتضاعف زيادة العملات الرديئة وتكتسح الأسواق نتيجة اختفاء العملات الجيدة، وهذه هى المشكلة.

أنت ترى الآن بعض الأفواه القذرة التى لا تتورع عن تسويق القذارة والاستعراض بها، وتظن أن هذه اللغة المنحطة أصبحت عادية لأنها باتت منتشرة فى الرأى العام سواء فى الإعلام أو فى الرياضة أو حتى فى السياسة، لكن بداخلك شعور- مازال- يقول لك إن هذه اللغة لا تناسب مجتمعا يحترم نفسه، ولا تناسب شعبا يدعى أنه صاحب حضارة، لكنك بعد فترة قليلة تكتشف أن المجتمع راض والشعب صامت فتظن أن الأمر أصبح عاديا وأن القذارة صارت غير ذلك.

أدعوك إلى أن تصدق ما تقوله لك نفسك، ولا تصدق ما تسمعه أذناك أو تراه عيناك، بداخلك «ضمير» يعرف الخير والشر، وبداخلك معيار يقيس الأمور بقياسها الصحيح، وبداخلك إنسان يعرف أن الانحطاط «جائز» لكن الارتقاء «ضرورة» ولا تظن أن الراقصين عرايا المنتشرين فى حياتنا انتشار الذباب على الثمار نهاية التطور الإنسانى، فما هو مطلوب ليس أكثر من «ثقة» فى السوق، لتعود العملات الجيدة إلى الظهور، وتذهب العملات الرديئة إلى أفران الإتلاف.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة