منذ بداية العام الحالى، ومع حلول ذكرى ثورة يناير العظيمة، والدخول فى حالة صراع متواتر، منذ بضع سنوات، حول 25 يناير وهل هى ثورة، أم مؤامرة، أم فقط عيد للشرطة، ليتشدد كل طرف فى نظرته لليوم، دونما أى مساحة لتقبل الآخر، ليتلو ذلك، بث فيديو أحمد مالك وشادى حسين، ثم القبض على إسلام جاويش، فاقتحام «ألتراس أهلاوى»، لملعب «التتش» بالنادى الأهلى، لإحياء الذكرى الرابعة، لشهداء بورسعيد، ليصدر النادى الأهلى بيانًا، أدان فيه، تجاوزات وتطاول «الألتراس أهلاوى»، على بعض رموز الدولة، ورفض الإساءة إلى مؤسسات الدولة، لتأتى دعوة الرئيس السيسى، عبر مداخلة متلفزة، للحوار مع الألتراس.
فمع كل الأحداث سالفة الذكر، وما قبلها، لم أعد أرى من حولى، سوى تنامى الاستقطاب الحاد، والتطرف الفكرى على الأطراف، ليصاب أهل المنتصف، «معسكرات الاعتدال»، بالضيق والإحباط، وهم ينظرون لنزاع عقيم بين ساكنى الأطراف، لا رابح فيه، بل كلنا خاسرون.
فقد بات منحنى الهبوط نحو الكراهية أسرع مما نتصور، بات لكل طرف قصة، وبعد خاص لكل حدث، بات له ضحاياه وشهداؤه، بات له مظلوميته وآلامه، بات له حقد دفين تجاه الأطراف الأخرى، فهو ينحاز فقط لأبناء توجهه السياسى، ليصل حد التطرف إلى أن تقبل الآخر كفر وتخاذل ورده عن المبادئ، فقد جهلوا أن فى التطرف هلاكا للأمم والأشخاص.
ففى 30 يناير عام 1948م، قام متعصب هندوسى يدعى «ناثورم جوتسى»، بإطلاق ثلاث رصاصات، نحو جسد «غاندى» النحيل، فأرداه قتيلًا، حيث لم ترق «جوتسى»، دعوة «غاندى»، للأغلبية الهندوسية، باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبر أن دعوة «غاندى»، خيانة عظمى، يستحق عليها الموت.
وفى 21 فبراير عام 1965م، اقترب رجل من المنصة، خلال إلقاء الداعية «مالكوم إكس»، لمحاضرة حول الإسلام فى قاعة مؤتمرات بمدينة نيويورك، وأطلق النار عليه ليصبه، ليتقدم رجلان آخران من المنصة، حيث أمطروا «مالكوم»، بوابل من النيران، فأردوه قتيلًا، قتلة «مالكوم»، كانوا من منظمة متطرفة، تدعى «أمة الإسلام»، وقد اختلفوا مع «مالكوم»، الذى كان يدعو لصحيح الدين، الإسلام الوسطى السمح، فقتلوه.
وفى 4 إبريل عام 1968م، اغتال متعصب أبيض، يدعى «جيمس إرل راى»، «مارتن لوثر كينج»، عندما كان يتأهب لقيادة مسيرة فى ممفيس، لتأييد إضراب جامعى النفايات، فقد قتل «راى» «كينج» بدافع الانتقام، من شخصيته التواقة إلى مساواة أصحاب البشرة السمراء بالبيض، ليكون الحكم على الأشخاص برصيد أعمالهم وليس بلون بشرتهم، لكن كان للتعصب رأى آخر.
وفى 6 أكتوبر عام 1981م، كان الرئيس «أنور السادات» جالسًا على المنصة، فى مواجهة النصب التذكارى للجندى المجهول، محتفلًا مع رجال الدولة، بذكرى النصر العظيم، وعندما تقدم طابور المدفعية، لتحية المنصة، توقفت سيارة المتطرف «خالد الإسلامبولى»، فى تمام الثانية عشرة وعشرين دقيقة، لتصبح أمام المنصة مباشرة، ليطلق القناص «حسين عباس»، دفعة من الطلقات، استقرت فى عنق «السادات»، بينما نزل «خالد الإسلامبولى»، مسرعًا من السيارة، وألقى قنبلة، ثم وجه دفعة طلقات، إلى صدر «السادات»، الذى سقط قتيلًا.
فقد قتل التعصب والتطرف والتخوين والتكفير والمزايدة، «غاندى» و«مالكوم إكس» و«مارتن لوثر كينج» و«السادات»، ولم يقتصر الأمر، على اغتيال زعماء الفكر والسياسة، وإنما طال الأمر فى وقتنا هذا، الشعوب التى صارت تتقاتل تعصبًا، وتتناحر تطرفًا، وهو ما لسنا فى منأى عنه.
فقد أصبحنا فى أمس الحاجة للاستلهام من تجربة «نيلسون مانديلا»، عندما رأى فى المصالحة الوطنية، أنها المهمة الأساسية، فى فترة رئاسته، لبناء مستقبل جنوب أفريقيا، فقد التقى «مانديلا» بشخصيات بارزة فى نظام الفصل العنصرى، مؤكدًا صفحه ومصالحته الشخصية، وأعلن أن الشعب الشجاع، لا يخشى المسامحة من أجل السلام، وقد أشرف «مانديلا»، على تشكيل «لجنة الحقيقة والمصالحة»، للتحقيق فى الجرائم، التى ارتكبت فى ظل نظام الفصل العنصرى، لتمنح اللجنة عفوًا فرديًا لكل من يدلى بشهادته حول الجرائم التى ارتكبت، وفى عام 1998م، قامت اللجنة بإصدار تقريرها النهائى، حول عمليات التعذيب والاغتيالات، فى العهد البائد، وقد كان عمل اللجنة، خطوة فى إظهار الحقائق، لتطوى صفحة الماضى، وينصرف الجميع للبناء للمستقبل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة