لم يكن قرار الكتابة هذا الأسبوع قرارا سهلا، فالأحداث تلاحقت سريعا وكان لكل حدث دلالات
مهمة من الصعب إهمالها فما بين حادثة مقتل الشاب الإيطالى فى مصر وحادثة بيع أحجار الهرم
الأكبر، تجد ردود أفعالنا كمصريين التى تشير فى الحادث الأول إلى حقيقة أصبحت واضحة، وهى أننا أصبحنا نقيم الأحداث وفقا لما نحب أو نكره وليس وفقا لما هو صواب أو خطأ، أما فى حادثة أو بالأحرى كارثة بيع أحجار الهرم، فتؤكد ردود أفعالنا رسمية كانت أو فردية كلها تؤكد أننا لا نستطيع حتى أن نحدد ما الذى نحبه ولماذا وما الذى يجب أن نحميه وندافع عنه ولماذا؟ وما بين الحدثين يبقى السؤال هل يدرك الجميع أن العقل المصرى إجمالا أصبح عقلا مغلقا؟
فى حادثة مقتل جوليو، ومع اللحظات الأولى للإعلان عن العثور على هذا الشاب بدأت التلميحات حول تورط أجهزة الأمن فى الجريمة، والحقيقة أنها لم تكن تلميحات داخليا فقط، وإنما دخلت على الخط
الصحافة الغربية تحديدا لتبدأ رسم صورة للجريمة، مفادها أن الأمن قد يكون متورطا، ما تلقفته بعض
الأذهان المصرية بكل شغف وصل إلى حد تنظيم البعض لما سموه وقفة لتأبين جوليو أمام مقر السفارة الإيطالية فى القاهرة «والوقفة فى حد ذاتها لفتة إنسانية لا يعيب عليها أحد »، ولكن نظرة إلى محتوى اللافتات التى حملها عدد من المصريين أمام أبواب السفارة تؤكد ما بدأت به الكلام وهو أننا نقيم أى حدث وفقا لما نحب أو نكره بمعنى أن كل من يكره الشرطة ويحملها خطايا كثيرة قرر ببساطة أنهم متورطون فى الجريمة لمجرد أن جوليو كان ينشر مقالات تنتقد أو تطرح تساؤلات حول الأوضاع فى مصر، ولأن اختفاءه كان فى 25 يناير وبالتالى هذا سبب كاف من وجهة النظر هذه المبنية على مشاعر وليس على وقائع، فلم يفكر أحد من هؤلاء إن كان الأمن هو من تورط وعذب وقتل، فلماذا أظهر الجثة فى هذا التوقيت تحديدا الذى تزامن مع زيارة وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية؟ ولماذا يلجأ الأمن لتعذيب مواطن أوروبى مقيم فى مصر؟
وما الداعى؟ ولكن الإجابة لدى البعض هى أن الأمن يعذب الجميع ويقتل الجميع، واللافتات أمام السفارة
الإيطالية خير دليل على هذا التوجه، ولكن حتى وإن ثبت أنها جريمة جنائية بدافع السرقة أو الانتقام أو أى شىء آخر، فلابد أن نتساءل أيضا عن التوقيت وتاريخ الاختفاء واكتشاف الجثمان ولماذا هذا التوقيت تحديدا؟ أما الحدث الآخر الذى أسميه كارثة وليس مجرد حادثة وهو اكتشاف مواطنين مصريين يبيعون أحجار الهرم لمن يطلب، فكانت ردود أفعالنا أيضا كاشفة، فلم نجد قرارات الاتهام للشرطة حاضرة على الرغم من أن الطبيعى أن يتحمل الأمن وتحديدا شرطة السياحة المسؤولية، ولكن لم يتحرك أحد فى توجيه اتهام ثابت صوت وصورة فى جريمة كارثية ضد كل مصرى، وهنا لا أتحدث عن المواطنين المصريين الثلاثة الذين تورطوا فى هذه الجريمة، وإنما أتحدث عن المسؤولين الحقيقيين الذين سمحوا لمثل هذه الجريمة البشعة أن تحدث من الأصل، مع العلم أنها ربما تكون جريمة متكررة ومتواصلة منذ سنوات؟ كيف لم يشعر أحد بالإهانة كون تاريخ أعظم أجداد على وجه الأرض يهان ويباع بأبخس الأسعار جهارا نهارا على أيدى الأحفاد، أحفاد العظماء؟! كيف لم تتحرك مشاعر الغضب لدينا تجاه ما جرى من بيع لتاريخنا؟! كيف كان رد فعل الجهات المختصة التى بدلا من أن تعلن عن معاقبة المسؤولين عن تأمين منطقة الأهرامات، بل وتبحث ضرورة وجود آلية جديده فورية مادام طالبنا بها من كاميرات وأجهزة متطورة لتأمين أعظم أثر على وجه الأرض بدلا من هذا كله أطل علينا أحد مسؤولى الآثار، مطالبا بمحاكمة الصحفيين الذين كشفوا الجريمة، وأضاف آخر أن السائح المثقف لن يقدم أبدا على سرقة أحجار الهرم! إن كان العقل المغلق رفض أن يرى أى متهم آخر سوى الشرطة فى حادثة مقتل جوليو فالعقل والقلب أغلقا معا فى حادثة بيع أحجار الهرم فلا العقل أدرك خطورة الحادثة، ولا القلب شعر بمرارة التهاون فى حق إرث لا مثيل له على وجه الأرض، ما الذى أوصلنا إلى هذه الحالة لا قلب يشعر ولا عقل يدرك!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة