كل المؤشرات تؤكد أننا فى محنة اقتصادية كبرى، بل هى الأصعب فى تاريخ مصر القريب، وكل الوقائع تعلن عن الاستمرار وبنجاح كبير وبإصرار أكبر على السفه الاستيرادى، نحن مغرمون بما يلزم وبما لا يلزم، ما دمنا نستورده، سواء كان ضرورة أو سفهًا ونحن أيضا نغرم ونشجع السفهاء ونصنعهم، لدرجة أن أحد الخبراء وهو د. رشاد عبده، رئيس منتدى الدارسات الاقتصادية، قدر حجم استيراد مصر للسلع الاستفزازية بنحو 5 مليارات دولار شهريا، أى 60 مليار دولار سنويا.
نحن فى أزمة اقتصادية عنيفة ولكننا نتعامل وكأن الرفاهية اضطرارا وليست اختيارا. قائمة السلع التى نستوردها تؤكد العنف فى الإقبال على كل ما هو مستفز وأرقام إحصاءات الواردات إن كانت لا تكذب فهى تقول إن مصر استوردت طعاما للقطط والكلاب بقيمه 153 مليون دولار، ومؤكد هذه سلعة يمكن إنتاجها فى مصر، أما لعب الأطفال فوصلت إلى 55 مليون دولار وهى أكبر من ميزانية وزارة الصحة مثلا. أما لحوم الطاووس والغزلان والنعام وما شابه فوصلت إلى95 مليون دولار.
كما تم استيراد سيارات ركوب خلال العام المالى الماضى بـ3.2 مليار دولار، مقابل 1.5 مليار دولار لسيارات الركوب خلال العام المالى السابق له، واستوردت مصر هواتف محمول بقيمة 1.1 مليار دولار خلال عام، وملابس أطفال بنحو 270 مليون دولار وسلع استفزازية أخرى.
والقائمة مغرية وباهظة الثمن فالألعاب النارية وحدها مثل «البمب والشماريخ» والتى تحتاج لتجريم استيرادها فقد بلغت قيمتها ما يقرب من 600 مليون دولار، وهى سلعة كارثية ليست على المستوى الاقتصادى، ولكن على المستوى الأمنى أيضا.
قائمة السلع التى لا نستطيع العيش بدونها تؤكد أننا نعيش فى العالم الآخر، وأننا عباقرة فى الاستيراد والاستهلاك أم الإنتاج والتصدير، فنحن وعن جدارة ننتج التوافه والكلام الذى يدمر، والسخرية التى لا تسمن ولا تغنى، ونستهلك طاقتنا فى كل ما هو ضار، وردىء، ونصدر شخصيات استفزازية عبر الإعلام ومواقع التواصل، وهى منتجات بشرية سيئة الصنع والسمعة وتسيئ لمصر، وتبدو وكأنها الصناعة الوحيدة التى نجيدها.
نحن مجتمع تلاحقه الأزمات، ولكن به بشر لا يبالون ويعيشون بكامل الترف، وبقيم استفزازية، ولا يريدون الترشيد ولا طريقه. نحن فى عبث كامل ولا نتعلم من أزمات الآخرين، فالدول العظمى كالولايات المتحدة وألمانيا واجهت أزماتها الاقتصادية بصرامة وإرادة، وتراجعت وارداتها، وكان المجتمع الأمريكى كمثال نموذجا فى إنقاذ اقتصاده دون الحاجة لقرارات حكومية، ودول شرق وجنوب آسيا كان السلوك التلقائى من المواطنين والمستوردين واتحاد الغرف التجارية له الدور الأكبر فى التعامل مع أزماتها الاقتصادية.
نحن فى احتياج لدراسة ما قامت به الدول الكبرى والدول الأقل فى التعامل مع الأزمات المالية والاقتصادية للاستفادة من الخبرات، وتطبيق التجارب، ولكن الأهم لابد أن نمتلك الحس الشعبى الذى لابد وأن يسبق القرارات الحكومية، لابد أن ندرك أن المحن التى نمر بها والحروب التى تفرض علينا تتطلب تماسكا ووعيا وتقديم مصلحة الوطن، وإعلاء هذه المصلحة على المصالح الشخصية والمكاسب الفردية، نحن لسنا أقل وطنية وإدراكا من الشعوب الأخرى.
الحس الشعبى لابد أن يعلن عن نفسه فى هذه الأزمة ويرفض الإقبال على نوعية السلع الاستفزازية، وهذا الحس أيضا عليه أن يلفظ ويستبعد الشخصيات الاستفزازية التى تستهلك الطاقة فى الانشغال بها وبتوافه ما تفعله، وتلك تكلفة اقتصادية واجتماعية.. الشعب قبل الحكومة له الكلمة الأكثر تأثيرا فى محنة مصر الاقتصادية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة