وائل السمرى

عن معنى العيش بلا «كرامة»

السبت، 12 مارس 2016 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سأستعير لغة إعلانات وزارة الصحة فى الثمانينيات
فى كتابه المهم «تاريخ التأريخ» يقول المفكر العربى «وجيه كوثرانى» إن الاستعمال الغربى لكلمة التاريخ تدهور فى أوروبا فى القرون الوسطى، حتى استعادت الكلمة «كرامتها العلمية» فى العصور الأوروبية الحديثة، ويورد كوثرانى تعريف المؤرخ «روزنتال»، لمعنى مصطلح «الكرامة العلمية فيقول إنه يعنى العودة إلى أصول البحث والتوثيق ومعرفة الأسباب والإلمام بتطور المؤسسات الإنسانية»، وفى الحقيقة فإنى وقفت كثيرا أمام هذا المصطلح البليغ الذى يسحب صفة «الكرامة» من أى شىء يفقد أصوله وشروط تأسيسه، أو بمعنى أصح لا يحرم الشىء من وجوده إذا ما فقد أسباب تأسيسه وإنما يحرمه من «الكرامة» وهو أمر أقسى وأبشع، فترى كم شىء فى مصر يعيش بلا «كرامة»؟

سأستعير لغة إعلانات وزارة الصحة فى الثمانينيات، وأقول لك «انظر حولك» حاول أن تجد مؤسسة أو فئة أو جماعة مازالت تعيش بـ«كرامة» محافظة على أسباب نشأتها وسبل رقيها، جماعات الإسلام السياسى تحولت من الدعوة إلى سواء السبيل إلى الدعوة إلى سواء «السب» والأحزاب السياسية تحولت من جماعات فكرية تتبنى خططا تنفيذية إلى أكشاك يقودها بعض السطحيين المسطحين فلا اليسارى يسارى ولا الليبرالى ليبرالى، ونادرا ما تجد أحدا ينتمى إلى هذه الأحزاب وهو يدرك فعلا الفروق الجوهرية ما بين كل حزب وآخر، أو يعى الفروق المرجعية بين الأحزاب وبعضها البعض، فنرى أحزابا متعددة ترفع راية اليمين، وأحزابا أخرى متعددة ترفع راية اليسار، ولو كانوا صادقين فى انتمائهم لفكرة جامعة لاتحدت كل الأحزاب السياسية اليسارية لتشكل ورقة ضغط حقيقية، ولاتحدت أيضا كل الأحزاب اليمينية لتزيد قوتها ويتضاعف تأثيرها.

انظر إلى الحركات الشبابية وستجد أن الصورة أكثر إفزاعا، فلا هى حركات ولا هى شبابية، يضربها اليأس وتسكنها الشيخوخة، بالشكل الذى يصح معه أن نشبهها بعواجيز الفرح دون أدنى تأنيب من ضمير، انظر كذلك إلى أقسام الشرطة التى فقدت كرامتها حينما تخلت عن تأمين المواطن واستسلمت إلى حفنة من المرتزقة الذين يقتلون ويرتشون ويتجاوزون كل يوم، وانظر إلى الطبيب الذى تخلى عن إنسانيته وأصبح أشبه بالمقاول والجزار معا، وانظر إلى حالات العهر الإعلامى وما نراه كل يوم من خوض فى الأعراض، واستعداء لفئات المجتمع على بعضه البعض، وانظر إلى المبدعين الذين تنازلوا عن معنى الإبداع وأصبحوا عبيدا لقوائم «البيست سيلر»، وروادا لفن دغدغة المشاعر لا تثويرها.

بلا كرامة يعيش العامل الذى لا يعمل والموظف الذى لا يحترم وظيفته والطالب الذى لا يجتهد من أجل النجاح والمدرس الذى يساعد الطالب على عدم الاجتهاد، بلا كرامة يعيش الأب الذى لا يحمى والأم التى لا تحنو والأخ الذى لا يمد يد العون والأخت التى لا تعطف، بلا كرامة يعيش الأقارب وكأنهم أعداء، والزملاء وكأنهم زارعو فخاخ، والمديرون وقد أكلوا حق هذا وبخسوا قيمة هذا، بلا كرامة يعيش من لا يسأل: ترى.. متى سنسترد الكرامة؟








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة