ليس عندى أى شك أن توصيات البرلمان الأوروبى الأخيرة ضد مصر تندرج تحت ممارسة الضغوط السياسية ومحاولات احتواء وتركيع النظام المصرى، وليس عندى شك أن هذه التوصيات مبالغ فيها وغير موضوعية ولا تراعى طبيعة العلاقات الثنائية بين مصر والدول الأساسية فى الاتحاد الأوروبى، فليس من المعقول أن يطالب البرلمان الأوروبى بوقف المساعدات وتصدير الأسلحة والتبادل الاقتصادى مع مصر لمجرد مقتل شخص فى ظروف غامضة على الأراضى المصرية، وفى ظل تحقيقات علنية دائرة يشارك فيها الجانب الإيطالى.
من اللحظة الأولى هناك جهات إعلامية أمريكية وأوروبية فضلا عن الصحف الإيطالية، تلقفت الحادث وبدأت تضخيمه لتحويله إلى حادث رمزى أكبر من مجرد كونه جريمة قتل لمواطن على أرض أجنبية، حدثت وتحدث كل يوم ويجرى فيها التحقيق ومعرفة الجانى ومحاكمته، ويكون للبلد التابع له المجنى عليه الحق فى متابعة القضية لضمان معاقبة الجانى على فعلته، حدث هذا لمواطنين إيطاليين فى بلاد عديدة ولم تثر مثل هذه الضجة الإعلامية التى تحولت إلى ضجيج سياسى مدفوع بقوة تأليب الرأى العام الإيطالى، ثم تحولت إلى ضوضاء سياسية أممية معلنة ومكشوفة، وحدث هذا أكثر من مرة لمواطنين مصريين تعرضوا للقتل الإجرامى من العصابات المنظمة على الأراضى الإيطالية أو بسبب التمييز العنصرى وتم التحقيق فى هذه الجرائم دون تحميلها بما هو سياسى.
إذن، القضية واضحة أنها محملة بأبعاد سياسية، قد لا تريدها الحكومة الإيطالية نفسها التى ترتبط بعلاقات سياسية واقتصادية متميزة للغاية مع مصر حاليا، ولكنها دفعت إليها دفعا بقوة الإعلام الإيطالى والدولى، ثم تحولت القضية إلى مواجهة بين البرلمان الأوروبى والحكومة المصرية، والسؤال الآن: هل أدرنا هذا الصراع بصورة صحيحة؟ هل تعاملنا مع العناصر المحفزة والمضخمة للقضية فى وسائل الإعلام الإيطالية والغربية عمومًا كما يجب؟ هل اضطلع البرلمان المصرى بدوره فى هذه القضية كما يجب؟ هل تعاملت الدبلوماسية المصرية فى إيطاليا وأوروبا مع الحدث بصورة مثلى تستبق تداعياته وتواجه آثاره المحتملة؟
الإجابة عن هذه الأسئلة للأسف الشديد بالسلب، نحن اكتفينا بالموضوعية والشفافية والاعتماد على أننا فتحنا ملفاتنا للمحققين الإيطاليين وأعطيناهم كل المعلومات والوثائق المتعلقة بالحادث، لثقتنا فى أن الأمن المصرى لم يتورط فى هذه القضية، لكننا من اللحظة الأولى أدركنا أن هناك جهات فى إيطاليا وأوروبا وفى الولايات المتحدة تحاول إلصاق التهمة بالشرطة المصرية لتقفز على الحادث وتحول الملفات الوهمية من التعذيب إلى الاختفاء القسرى ومخالفات حقوق الإنسان إلى سيف مسلط على الحكومة المصرية، فماذا فعلنا؟
نحن مقصرون جدًّا على صعيد المواجهة الشاملة مع أهل الشر فى هذه القضية تحديدًا، فهم يعرفون أن السلطات المصرية بريئة وربما تعرف جهات التحقيق الإيطالية نفسها ذلك، لكن القضية باتت أكبر من الأطراف المعنية بها مباشرة وتحولت إلى صراع سياسى ووسيلة ضغط ومفاوضات سرية ومطالب من وراء الستار، إما أن يتم التوافق عليها أو تنفجر القضية إعلاميا وسياسيا وتنهال العقوبات على البلد.
نريد أن نواجه أهل الشر فى هذه القضية بذكاء شامل يوازى إجرامهم الشامل، ولا نكتفى بالتعاون الكامل مع جهات التحقيق الإيطالية، يجب أن تكون هناك مؤتمرات صحفية خارجية من كل سفرائنا فى أوروبا لشرح مدى تعاون مصر فى القضية، مع حجز مساحات مدفوعة فى الصحف الإيطالية لمقالات وموضوعات تواجه الحملات المغرضة، كما يجب أن تفكر وزارة السياحة فى دعوة أسرة وأصدقاء ريجينى إلى زيارة مصر واستضافتهم وتعريفهم بمسار التحقيق، على البرلمان أن يتحرك فى هذه القضية، وأن يرسل وفدًا للبرلمان الأوروبى لتوضيح موقف مصر من القضايا التى يلوح بها فى توصياته، وأن يعقد جلسة مباحثات مع الكتلة السياسية فى البرلمان الأوروبى التى تبنت مشروع القرار والتوصيات ضد مصر، وعلى الأحزاب السياسية أن تتحرك وتعقد لقاء مع وزير الداخلية لمعرفة آخر تفاصيل القضية لقيادة حركة شعبية ضد تركيع مصر ولعب دور وطنى بدلا من التهريج والمهاترات الغارقة فيها، إجمالاً نريد التحرك كدولة مدركة لمصالحها.. وللحديث بقية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة