لا أستخدم فزاعة إذا قلت إن المؤامرة التى تتعرض لها مصر على درجة كبيرة من الخطورة، وأن قوى كثيرة فى الداخل والخارج لا يسعدها أن تنهض هذه الدولة وتقف على قدميها، وأن المخططات التآمرية تزداد عنفًا وتتنوع أساليبها، كلما ترسخ الاستقرار، هذا كله معروف وليس جديدًا، أما ما يثير الاستغراب فهو تورط بعض القوى والتيارات السياسة فى اللعبة الغامضة، سواء بحسن نية «احتمال ضعيف»، أو مع سبق الإصرار والترصد.
مثلاً: بمجرد أن بدأت الاستثمارات تلتقط أنفاسها، ظهرت أزمة الدولار بفعل فاعل، فيرتفع سعره من سبعة جنيهات ونصف، إلى أكثر من عشرة، فى أقل من أسبوعين، دون أسباب أو مبررات تدعو لذلك، وكأننا استيقظنا فجأة فوجدنا البلد فى كارثة، لا قدر الله، أدت إلى هذا الانفلات الشاذ، والأكثر غرابة أن جنون الدولار جاء فى أعقاب قرارات ترشيد الاستيراد، والمفترض أن يتراجع السعر.. الحكاية ليست «عرض وطلب»، ولكنها محاولات مبكرة لضرب مقدمات النهوض الاقتصادى التى بدأت تلوح فى الأفق.
ومثلاً: يعزف البعض على نغمة غريبة اسمها الانتخابات الرئاسية المبكرة، أو البحث عن نظام بديل، ويتزامن ذلك مع الإعلان عن خطة لإعادة بناء البلاد حتى 2030، وبالمناسبة كل الدول التى كانت معنا تحت خط الفقر، مثل كوريا وسنغافورة واليابان، فعلت نفس الشىء، وسبقتنا بمراحل شاسعة، بجانب أن العامين الماضيين شهدا حراكًا جيدًا فى مختلف المشروعات، مما يبشر بإعادة دوران العجلة الاقتصادية بسرعة.. يعنى أجواء مبشرة تتطلب بث روح الأمل والتفاؤل، وليس محاولة إعادة البلاد إلى نقطة الصفر، دون الأخذ فى الاعتبار أن الأوضاع لا تحتمل ما كان سائدًا بعد 25 يناير، لأن معناه الانهيار التام، ومثلاً: أخطاء بعض أفراد الشرطة وتجاوزاتهم شىء، والعمل على تقويضها وهدمها شىء آخر، والملاحظ أن غالبية وسائل الإعلام تجرى وراء إعادة إنتاج حالة الاحتقان التى كانت سائدة قبل 25 يناير، وتظهر كليبات يجرى التعامل معها بنفس منهج فيديو خالد سعيد، ولم يسأل أصحاب مدارس التهييج أنفسهم: هل تتحمل البلاد مرة أخرى انهيار الشرطة، وهجوم المواطنين على الأقسام، وسيطرة البلطجية والمجرمين على زمام الأمور؟ ومثلا: تنفسنا الصعداء بانتخاب مجلس النواب، ولكنه منذ ولادته محاصر بصغائر الأمور وتوافه الأعمال، ولولا وقف إذاعة الجلسات على الهواء مباشرة، لكان هذا البرلمان فى خبر كان، ولم يظهر حتى الآن عقلاء يتبنون الدعوة إلى تعظيم دور البرلمان، والصعود بالنواب بعيدًا عن الصغائر.
الأمثلة كثيرة، وتتوه فى زحام النسيان الإنجازات التى تحققت على أرض الواقع، ولو أغمضنا عيوننا قليلاً وتذكرنا، أين كان بلدنا وأين هو الآن، لأدركنا أننا نمضى إلى شاطئ الاستقرار، وأن البلاد أفلتت من أنياب الشيطان، تذكروا الميادين المحاصرة بالبلطجية والمخربين، والإضرابات والاعتصامات والمظاهرات، والجماعة الإرهابية التى تتآمر على مستقبل الوطن، ورابعة والنهضة والاتحادية وحرق المجمع العلمى، وشهداء كرداسة وسيناء الذين قتلوا غدرًا لحظة إفطار رمضان.. تذكروا مصر التى كانت على شفا الضياع، وأنقذتها العناية الإلهية من المصير الأسود.
رفقًا بالوطن، فالله لم يخلق الكون فى يوم وليلة، ومشاكل مصر مزمنة ومتراكمة، وقوى الشر فوق الأرض وتحت الأرض، وتتصالح مصالحها وتتوافق أهدافها، والهدف النهائى هو تفكيك عناصر الدولة، تمهيدًا لإسقاطها والوثوب على السلطة، حتى لو كانت خرابًا وأنقاضًا، ولنحمد الله ونسجد له شكرًا أن بلدنا مازال واقفًا على قدميه.. صحيح أننا نريد مزيدًا من الحرية وتحسين الظروف المعيشية والعدالة الاجتماعية، ولكن ذلك يكون بالبناء وليس الهدم.