يمكنك أن تقول بالصوت العالى: «إن جماعة الإخوان اخترقت البرلمان الأوروبى، وجعلته يدين الحكومة المصرية فى قتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى»، يمكنك أن تقول «إن التنظيم الدولى للإخوان يلاحق مصر فى كل الدوائر الخارجية»، يمكنك أن تقول هذا وغيره وأكثر منه، لكنك إن لم تفكر مرة واحدة فى أن بيتك مطلوب إصلاحه، وأنه فى الوقت الذى يتربص آخرون بك، فإن حيلهم ومناوراتهم وقذائفهم ستجد طريق النجاح إن أبقيت هذا البيت دون إصلاحه.
لا نحتاج إلى التأكيد على أن أطرافا خارجية لا تريد بالفعل الخير لمصر، وتريدها جزءا من حالة الفوضى فى المنطقة، ولا نحتاج التأكيد على أن حكم جماعة الإخوان لمصر جاء ضمن مخطط إقليمى للمنطقة تقوده تركيا وقطر، ولا نحتاج التأكيد على أن ما حدث فى 30 يونيو أفسد هذا المخطط.
نعم هناك تربص ومتربصون بمصر، لكن بأيدينا نحن أن نعطيهم الفرصة كى يفعلوا ما يريدون بنا، وبأيدينا نمتلك القدرة لإفساد أى شرور يفكرون فيها، وقضية «ريجينى» نموذج لذلك، فمنذ أن تفجرت لا أحد يعرف حتى الآن الحقيقة بشأنها، والاستمرار طوال هذه الفترة دون الوقوف على أسرارها يعنى تلقائيا تزايد الشكوك حولها، وتقديم فرصة ذهبية لكل المتربصين بمصر.
والبديهى أن عدم حدوث أى تقدم فى القضية أدى إلى أن تتحول لقضية رأى عام فى إيطاليا وأوروبا، وفتحت الباب للحدث عن حقوق الإنسان فى مصر، وأصبح كل من هب ودب يدلو بدلوه فيه، واستثمر المتربصون هذه الحالة ليبخوا سمومهم، وفى هذا السياق وصل الموضوع إلى البرلمان الأوروبى فجعله على جدول أعماله، وحدث ما حدث منه من إدانة للحكومة المصرية، وصحيح أن قرارات البرلمان غير ملزمة للحكومات الأوروبية، لكن لا يمكن إغفال أنها وسيلة ضغط، كما أن تأثر الرأى العام تحديدا بهذه القرارات قد يؤدى إلى خلق بؤر جديدة معادية لمصر.
بالطبع فإنه من المطلوب أن يكون لنا رد فعل على ما يحدث، من كل الدوائر المعنية، فوزارة الخارجية لها دور، وهيئة الاستعلامات لها دور، غير أن ما يحدث من البعض على الصعيد الداخلى يثير الانتباه، ويؤكد على أن هناك من يصر على مواصلة المنهج الخطأ فى طريقة التعامل مع الخارج فى مثل هذه القضايا، فقد هب نواب يطالبون بعقد جلسة لمجلس النواب لمناقشة «افتراءات» البرلمان الأوروبى، وأنه ليس من حقه التدخل فى سيادة الدولة المصرية، وأنه يشوه صورة مصر فى الخارج ويضعها فى موقف المتهم.
وكما قلت فإنه بقدر ما هو مطلوب أن نصطف جميعا ضد أى مؤامرات يتم وضعها ضدنا، وبقدر ما هو مطلوب أن يشعر الخارج بمتانة جبهتنا الداخلية فى مواجهة هذه المؤامرات، فإنه ليس من المنطقى أن نظل نخاطب أنفسنا كلما جدت أزمة مع أى طرف خارجى، وكأن المطلوب هو أن نقتنع نحن، وفى هذا السياق لن تجدى لغة «تخوين» البرلمان الأوروبى، وأقوال مثل: «التدخل فى السيادة الوطنية»، وغيرها من الأقوال التى لن تقدم شيئا أكثر من كونها تنفيسا، وتعبئة فى غير موضعها.
المطلوب هو معالجة قصورنا نحن، وسد كل الثغرات التى يستطيع أى متربص أن ينفذ منها، وملف حقوق الإنسان أهم هذه الثغرات، نعم نستطيع أن نشتم البرلمان الأوروبى، ونعطى لجماعة الإخوان قوة هائلة بترديد أنها استطاعت النفاذ إليه والتأثير فى قراراته، لكن ليس هذا هو المطلوب الآن.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة