كنت أعرف أن جارتى قد أنجبت غلاما، منذ شهرين، ولكنى رأيتها أكثر من مرة تحمل طفلين، واستحييت أن أسألها: هل أنجبت توأمين؟ وعلى ما يبدو أنها قرأت دهشتى فى عيني، فأجابت دون سؤال، أن الطفل الثانى ليس وليدها، بل هو ابن إحدى قريباتها، وهى ترعاه بصفة مؤقتة.
وهنا خرجت عن صمتى، وسألتها: وأين أم الطفل فهو رضيع ويحتاج لها؟ أجابت بحسرة وألم، لقد تركته أمه بعد أن غادرت منزل الزوجية؛ حيث خانها الزوج، وتزوج بأخرى. علاوة على ذلك رفضت تربية هذا الصغير، وأخته البالغة من العمر اثنا عشر عاما. وهى تصر على طلب الطلاق.
سألتها: وهل الزوج سعيد بحياته الجديدة؟ أجابت بنعم، واستأنفت بما هو ليس متوقعا؛ أن ابنته كذلك سعيدة بحياتها مع زوجة أبيها!!! فى الواقع الفضول دفعنى إلى معرفة السبب لسعادة الصغيرة وكنت أظنها بائسة لهذا الحدث. وبإيجاز عرفت أن سبب سعادة الصغيرة ووالدها، أنهما وجدا من تهتم بهما، وتقوم على شئونهما، وما كان هذا موجودا من قبل. تقول الصغيرة: " أنا عايزة أعيش مع طنط، عشان بتعملى اللبن الصبح وسندويشات المدرسة"، كلمات بسيطة لنفس بريئة؛ ولكنها تحمل الكثير.
استمعت وتعجبت، ثم انصرفت.. وظل عقلى محكوما بتلك الكلمات، أسيرا لتلك القصص، التى أصبحت تتردد كثيرا فى مجتمعنا، ولكى أكون منصفة، قررت أن أترك تلك القصة جانبا، وأنظر إلى الأمر بشكل مختلف ليس فيه مبالغة، ولا شخصنة لما يحدث، ومن المخطئ المرأة أم الرجل ؟ لايهم هذا لأن رؤيتى للقضية أعمق من الشخصيات، بل هى منهاج حياة، رؤيتى أن السعادة قرار، علينا أن نستميت فى اتخاذه والإصرار عليه، وآثرت أن يكون حديثى فى البداية إلى المرأة فى هذه السطور، وإنى أرجوها ألا تغضب مني، فالمقال القادم بإذن لله للرجل.. لآدم يا حواء.
عزيزتى حواء، أهمس إليك - ولا تغضبي- أن مشكلتك الرئيسة هى تلك الثقافة الآثمة التى نشأتِ عليها، فى مجتمعنا العربى، ثقافة عمادها، أن عقد قران المرأة، هو ذلك القيد الذهبى، الذى لا يستطيع الرجل الفكاك منه، وأن إنجاب الأطفال هو تتمة قيود المرأة للرجل، وأنك بهذا ملكتِه طيلة العمر.
هذه هى المأساة الحقة؛ لما يترتب على تلك الثقافة المشوهة، والفهم العقيم للزواج من نتائج.. أصبحتْ الزوجة الجميلة الرقيقة، فى حالٍ غير الحال.. ولا أريد التعميم، ولكن الكثيرات يتبدلن بعد الزواج، فلا اهتمام بمظهر، أو أناقة، أو اهتمام راق بالزوج، فهى فى البيت ترتدى ملابس عشوائية، لا جمال فيها ولاذوق. وعند الحديث يتحول صوتها المغرد -الذى كثيرا ما صدحت به وقت الخطوبة- إلى مدفعية موجّهة، ونِديّة مشينة لزوجها، تخرجها عن أنوثتها، ليصبح حديثها مع زوجها، وكأنه حديث أحد أصدقائه إليه.
وهى مشغولة طوال الوقت بهموم أولادها، وعملها، وليس لديها وقت لتستمع إلى حديث زوجها إن أراد أن يحدثها، ولا تتكلف مشقة البحث عن حوار مشترك إن أعرض عنها. ولا تنقب عما يرضيه ويحبه كما كانت وقت الخطوبة. انفصال صامت، وغفلة مستترة بثقة أنه زوجي، ملكي، ولسان حالها يقول: " هيروح فين يعني؟ ما تجوزنا وخلاص"، ليصل هذا بالرجل فى النهاية أن يحط رحاله عند امرأة أخرى، تظهر له الاهتمام الذى يبحث عنه، وتستلبه من زوجته أم أولاده.
وهنا تبدأ مرحلة الإفاقة للزوجة الأولى، ولات حين مناص.. فات الآوان، وتصر الزوجة على اتخاذ القرار من معين الثقافة الآثمة ذاتها، فتصب جام غضبها على زوجها، ولا تقف لحظة صادقة مع نفسها، لتحاسبها
وتتعرف على مواطن الخطأ، وتتمم هذا بطلب الطلاق، والإصرار عليه، والعناد إلى المنتهى.
حواء أيتها الجميلة الرقيقة.. أنت رمانة الميزان، أنت بذكائك، ولطفك، وعطفك تستطعين، أن تصلى بقارب الأسرة إلى بر الأمان، أنت السكن والمودة والرحمة.. أنت نور وإعمار البيوت.. أنت الخير كله، والحنان كله، فاغمرى زوجك به، وبيتك وولدك، وكونى كما قالت الأعرابية فى وصيتها لابنتها:" كونى له أَمَة، يكن لك عبدا"، وليتحقق فيك وبك قول الله عز وجل: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
د. حنان شكرى تكتب: الثقافة الآثمة.. همسة فى أذن حواء
الإثنين، 14 مارس 2016 12:14 م
زوجان - صورة أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة