الفنون هى المعيار الحقيقى لتطور المجتمعات، وكلما ازدادت ازدهارا وتقدما كان ذلك أكبر دليل على تحضر وإنسانية تلك المجتمعات، لذلك من الطبيعى أن تشهد السينما المصرية تراجعا كبيرا فى هذه الفترة، خصوصا مع الاتجاه الواضح لتقييد الحريات، لذلك من الطبيعى أن نسمع عن أزمات رقابية متكررة وعن تدخلات وشروط لجهاز الرقابة، ولم يكن مفاجئا لى ما قاله المخرج خالد الحجر فى حواره لـ«اليوم السابع»: «كل ما حدث أنه تم تغيير بعض الأشياء البسيطة فى السيناريو بطلة العمل كانت تخون الزوج مع شقيقه وعندما اعترضت الرقابة على ذلك حتى لا يكون هناك زنا محارم قمت بتغييرها، وأصبحت فاطمة تخون زوجها مع ابن عمه، وشدد الحجر على أنه لم يخضع للرقابة، موضحا أن هذا الخط الدرامى كان فرعيا وأنه لا يرغب فى الاتجار بقضية لا يشعر بها، وببساطة رفضت أن تطغى قضية زنا المحارم على فكرة العمل الرئيسية ووافقت على إجراء التعديل فى العمل، لأن خيانة فاطمة هى الحدث الرئيسى».
وبالطبع يحق لخالد الحجر وغيره من المبدعين أن يغير، سواء بالإضافة أو الحذف على عمله الإبداعى وفقا لرؤيته، ولكن فى ظنى أن المبدع يحق له ذلك إذا قرر هو أن التغيير حتمى، ولكن يبدو أن الكثير من المبدعين أصبح عليهم اللجوء إلى التوازنات حتى تخرج أعمالهم إلى النور.. والبعض منهم قد يقبل، وهناك آخرون قد يرفضون هذا العبث بالإبداع، ويجلسون بجانب أعمالهم فى محاولات مستميتة أو يضعونها فى الأدراج.
وواقعة خالد ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، حيث سبق ورفض جهاز الرقابة على المصنفات الفنية سيناريو فيلم «بيت من لحم» الذى قدمه الكاتب لينين الرملى والمأخوذ عن قصة يوسف إدريس، بدعوى تحريضه على زنا المحارم، والمدهش أن جهاز الرقابة وصل إلى هذه النتيجة فجأة وكأنه اكتشف حدثا جللا فى قصة يوسف إدريس المنشورة والمتاحة للجميع لقراءتها التى سبق تقديمها فى عدد من الأفلام القصيرة، من قبل طلبة المعهد العالى للسينما وغيرهم الذين قدموا معالجات جيدة للقصة، التى تعرى هذا المجتمع وتكشف تناقضاته المرعبة والفقر الذى ينهش الأرواح قبل الأجساد، وتلك الحالة تكشف حجم التراجع والتخلف الرهيبين والذى وصلنا إليه، فما كان مسموحا به من 40 عاما مثلا صار اليوم ضربا من ضروب الخيال، ورغم أن الكاتب لينين الرملى بذل محاولات كبيرة مع جهاز الرقابة وحاول تعديل السيناريو.. علشان يعدى؟
وللأسف ما يحدث يتسق تماما مع الحالة المتردية التى وصل إليها حال الإبداع والمبدعين من حبس أحمد ناجى صاحب الرواية العيب أو الحرام، ومع الحكم على إسلام البحيرى، وغيرها من الهجمات الشرسة على الفكر والإبداع التى نقف أمامها جميعا مغمضى العينين والموضوع هنا لا يتعلق بقضية زنا المحارم، «التى يراها البعض قضية شائكة وأحسن نغمض عينينا.. دا على أساس إن صفحات الحوادث فى الجرائد تخلو من تلك النوعية، وأن مجتمعنا يعيش والفضيلة تسيطر عليه، وأن هذه القضايا غريبة عنا ولا نشهدها إطلاقا»، ولكن القضية تتعلق بمبدأ واحد وحيد ألا وهو الحرية.. حرية الفكر والإبداع حرية المجتمع التى يتم تقويضها وحصارها بحجج كثيرة.
الرقابة التى يحكمها موظفون ملكيون أكثر من الملك، أصبحت تتدخل فيما لا يعنيها، وأصبحت تفرض شروطها، فهى حامية الأخلاق والمجتمع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة