هل تنفرد موسكو وواشنطن بالعالم؟.. هناك اعتقاد يسود أوروبا حاليا أن اقتصار الحل فى سوريا على الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا دون حضور ممثلى الاتحاد الأوروبى هو استبعاد لهم، ربما تمتد آثاره لما بعد سوريا إلى ملفات أخرى تؤثر على وضعية الأوروبيين مستقبلا، لذلك فإن قادة الاتحاد الأوروبى يخشون الأن من انفراد موسكو وواشنطن بسوريا، لأنه إذا استمر الحال على هذا الشكل فقد تتفق البلدان على تقسيم الشرق الأوسط فيما بينهما كمرحلة أولى تمتد بعد ذلك إلى تقسيم أو توزيع مناطق النفوذ بينهما فى أوروبا الشرقية تحديدا.
فى الغالب ينظر كثيرون لهذه الفكرة على أنها نوع من الخيال، فكيف يتحالف الروس والأمريكان وبينهما خلافات شديدة سياسية واقتصادية وعسكرية، فحتى إن حدث تقارب بينهما فى الملف السورى فهذا لا يعنى الاتفاق التام أو التوافق على تقسيم مناطق النفوذ بينهما، لكنه نوع من المواءمة السياسية التى تطلبت حدوث هذا التوافق المؤقت حول ملف معقد فى تركيبته وتشابكه الداخلى والأقليمى أيضا، فإذا تأخر هذا التوافق لتفجر الوضع فى سوريا، ومعه أيضا الوضع الدولى والإقليمى، لأن موسكو وواشنطن دخلا فى مبارزة سياسية قوية كادت أن تتحول لمنافسة عسكرية لولا توصلهما لتوافق يمكن اعتباره مؤقتا حول سوريا، وبالتالى لا يجوز اعتباره قاعدة ينطلق منها توافق دائم لتوزيع المغانم ومناطق النفوذ بين الاثنان.
لماذا تخشى ألمانيا التقارب الروسى الأمريكى؟
صحيفة «دى زيت» الألمانية أشارت قبل أسبوع للمخاوف الأوروبية من هذا التقارب الروسى الأمريكى، وقالت إن قادة الاتحاد الأوروبى يخشون أن تُقدم واشنطن وموسكو على عقد مؤتمر جديد على غرار مؤتمر يالطا الذى اتفق فيه زعماء الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة وبريطانيا على إنشاء نظام عالمى جديد بعد أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، لذلك فإن الأوروبيين يخشون من مؤتمر يالطا 2 الذى لن يشارك فيه ممثلو الاتحاد الأوروبى، وهو ما يزعج المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التى قالت الصحيفة إن مثل هذا المؤتمر إن تم سينتهى إلى استعادة روسيا «لقب الدولة العظمى»، بينما لن يبقى أمام أوروبا غير الغرق فى بحر من مشكلات ملايين اللاجئين ودفع مليارات اليورو لتركيا، التى تساوم أوروبا الآن على المزيد من الأموال مقابل التحكم فى موجات الهجرة إلى أوروبا.
ويالطا منتجع مشهور على البحر الأسود، مكانها اليوم فى أوكرانيا، استضاف هذا المنتجع فى المدة من 4 فبراير حتى 11 فبراير 1945 أحد أهم اللقاءات الرئيسية لقادة الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث شارك فيه الرئيس الأمريكى فرانكلن روزڤلت، ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرتشل، ورئيس الاتحاد السوفيتى يوسف ستالين، وانتهى المؤتمر إلى عدد من النقاط منها قبول إنشاء منظمة عالمية لصون السلم العالمى، المعروفة حاليا بالأمم المتحدة، وإعادة إرساء النظام فى أوروبا ومساعدة الدول المنهزمة لتكوين حكومات ديمقراطية، وتقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق، وتأييد الحكومة السوفييتية وإجراء انتخابات حرة فى بولندا، وبسط حدود الاتحاد السوفييتى إلى حدود بولندا، وإرغام ألمانيا على تسليم الاتحاد السوفييتى معدات ومصادر ثروات أخرى لتعويض الخسائر السوفييتية، وبالإضافة إلى ذلك، فقد اتفق الاتحاد السوفييتى على دخول الحرب ضد اليابان لاستعادة سيطرته على جزر الكوريل، والنصف الجنوبى لجزيرة سخالين، وميناءين استراتيجيين.
كل ما يقال حاليا أن الألمان تحديدا يخشون من تكرار ما حدث فى يالطا، لكن هذه المرة بدون بريطانيا، وأن يقتصر الأمر على الروس والأمريكان فقط، وأن تكون سوريا هى نقطة الانطلاق، وربما يكون من حق الألمان الخوف من المستقبل، خاصة أن السياسة الأمريكية لم تعد مضمونة ومستقبلها ليس محددا كما كانت فى الماضى، فالتغيرات التى حدثت بالبيت الأبيض منذ مجىء باراك أوباما زادت المخاوف لدى حلفاء واشنطن بأن الأوضاع قد تتبدل، وتتغير خريطة الحلفاء، وربما يكون ما حدث من تقارب مؤخرا بين واشنطن وطهران خير دليل على ذلك، فمحور الشر أصبح الآن صديقا للأمريكان، بل ويتم اللجوء إليه للمساهمة فى إيجاد حلول لبعض المشاكل فى المنطقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة