ما بين الهلاوس السمعية والبصرية التى نشاهدها وتحاوط مسامعنا فى كل مكان تقف دولة بلغت من العمر عتيا تبكى بمرارة ماضيا بلغ من العظمة مبلغا عظيما فاق أعلى مراتب العزة، حتى أنها كانت بهية الأمم وعروس الشرق، فقد حصلت عاصمتها القاهرة على لقب أجمل مدينة فى العالم فى مطلع القرن الماضى متفوقة على باريس ولندن وبرلين وروما وكانت جماعتها البشرية رغم الاحتلال وتقيد استقلالها فى القرار الوطنى تفرز أعظم النماذج من الساسة والحقوقيين والاقتصاديين والصحفيين والرياضيين والشعراء والأدباء والعلماء والمصلحين الاجتماعيين حيث بزغ نجم معظمهم وبلغوا ذروة أمجادهم فى مرحلة شبابهم فالأمم تبنى بسواعد شبابها فنهضة مصرنا لا تجوز إلا بشبابها فى ظل أننا أمام جيل مختلف طرف فاعل فى تجربة ثرية جدًّا.
فالشباب هم ما يقرب من ثلثى أهل المحروسة فهم الطليعة القوية لثورتى 25 يناير و30 يونيو.. الكفة المرجحة لفرض إرادة الأمة وانتصارها فيما تواجه من تحديات جمة وغير مسبوقة وهى تطلع لاستعادة أمجاد الماضى والدفع بها نحو مستقبل أفضل فهؤلاء هم من ابتكروا وسائل تعبير جديدة حاولوا من خلالها تغيير الواقع المرير ومنح الأمل فى مستقبل أفضل لكن لماذا تعثروا فى الطريق؟ كان فى مطلع الأسباب أن الشباب قد انقسموا على أنفسهم فى أعقاب ثورة يناير، فقد تعرضوا لأكبر عمليات استقطاب وسطو الفكرى بين أطراف لم تكن تريد سوى تحقيق مخططاتها مستغلين النقاء الثورى للشباب ليصاب البعض بتشويش فكرى وينزلق البعض إلى بوتقة جماعات العزة بالإثم، ويخضع آخرون لمغريات غربية مسمومة لنوصم جميعا كجيل بعار قلة انحرفت فسرنا جميعا ندفع ثمن ذنب لم نرتكبه حتى رغم مقاومتنا ودرئنا لكل أنواع المغريات والاستقطاب الذى خضعوا له حيث تم استخدامهم فيما يضر الوطن ولا ينفع أهله.
فضلا عن ما سبق فإن جيلنا قد افتقر للحد الأدنى من الدهاء السياسى وهو ما انعكس على إعلان الكثير من الشباب بعد ثورة 25 يناير بشكل واضح عن مقاطعتهم لكل أشكال المشاركة السياسية وبالتالى انصراف المواطنين عنهم، وقد انعزلوا فكريا عن المجتمع فلم يملأوا الفراغ الذى خوى مرحبا بآخرين، جماعة الإخوان وأخواتها، الذين سلبوه بمنتهى اليسر فالثورات دائما ما تولد أفكارا تكون فضفاضة وحالمة وغير قابلة للتحقيق والتطبيق إلا من خلال كيانات سياسية معبرة عن موجات التغيير الاجتماعى والسياسى بعيدا عن أطراف الاستقطاب من المتعصبين فكريا، وهو ما لم نصنعه أو نحققه وإن حاول البعض فى مرحلة ما بعد ثورة يناير ولم يجانبه التوفيق.
فالشباب إلا القليل منهم قد امتنع وعزف عن المشاركة الحزبية حتى عن الأحزاب التى نشأت بعد ثورة يناير لأنهم لم يجدوا أنفسهم فيها فلم تكن قوية بالقدر الكافى أو حتى معبرة عن تطلعاتهم ليجدوها تعانى ضعفا، ومشاكل داخلية عديدة أبرزها «الشللية» وسطوة المال السياسى وهى من أبرز العوامل التى أضعفت الدور السياسى للشباب إلا أن بعد ثورة 30 يونيو وبعد التجربة المريرة لمحاولة سلب مصر من قبل جماعة الإخوان بات الكثير من الشباب مقبلا على المشاركة فى الحياة السياسية وبقوة لاقتناعهم تمام الاقتناع أنها السبيل الوحيد للتغيير والتعبير عن أحلامهم.
ولعل خير دليل على ما سبق هو العدد الكبير وغير المسبوق للشباب تحت قبة البرلمان إلا أن عزوف الشباب عن المشاركة الحزبية يبين حيرته وحالة التيه ما بين الرغبة فى المشاركة فى الحياة السياسة بشكل عام والأجواء التى تصاحب هذه العملية من افتقار القنوات الطبيعية، أى الأحزاب، لعوامل جذب الشباب وهو ما يستدعى تدخلا وتضافرا مجتمعيا وتشريعيا لدفع الأحزاب نحو تقوية ذاتها، وحل ما ألم بها من ضعف ومواضع نفور لدى الشباب فى ظل ما يقرب من 100 حزب سياسى فى حاجة ماسة لاقتصارهم على ثلاثة أو أربعة أحزاب كبار تعبر عن التوجهات السياسية المختلفة وهو ما أعتقد أنه لا يمكن أن يتحقق إلا على يد الشباب فى ظل تعقيدات تضرب العلاقة بين الكثير من الساسة الكبار من أمراض الغيرة إلى حب الزعامة والنرجسية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة