لم أكن أتخيل أنه سيأتى اليوم الذى أقف فيه مدافعا عن المستشار أحمد الزند وأنا الذى عارضته كثيرا فيما مضى، وأعلنت رفضى التام لتوليه حقيبة وزارة العدل، أما سبب رفضى لتوليه وزارة العدل من الأساس، فيكمن فى أن للمستشار المقال مواقف سياسية «حادة» تجاه العديد من شرائح المجتمع المصرى، وأن هذه المواقف ترتبت على توليه شؤون «نادى القضاة» الذى يعد عملا نقابيا لا يرى فيه الواحد إلا مصالح الفئة التى اختارته ليمثلها، وهو ما يتعارض مع الصورة الذهنية الراسخة عن وزير العدل الذى من المفترض أن يرسخ العدل لكل المصريين، أما سبب رعبى من إقالته بهذه الطريقة فهو أن الدولة بهذه الإقالة أثبتت أنها «دولة مرتعشة»، وأنها قابلة للابتزاز والخضوع للضغط الغوغائى بشكل كبير، لأننا إذا تأملنا السبب المباشر الذى أقيل المستشار الزند بسببه سنجد أنه هذا التصريح الذى قال فيه إنه لا أحد كبير على المحاكمة حتى «النبى» ثم استدرك واستغفر، وهو ما يعنى أن الأمر لا يتعدى «زلة لسان» وقع فيها الزند دون قصد، لكن الدنيا ثارت ضده ولم تقعد، مع العلم أن الله ذاته لا يحاسبنا على زلات ألسنتنا، والدليل على هذا أن الله فرح حينما قال رجل «اللهم أنت عبدى وأنا ربك» بدلا من أن يقول «اللهم أنت ربى وأنا عبدك»، وذلك لأنه يعلم أن الرجل وقع فى زلة لسان، وأنه لم يكن يقصد ما قاله «حرفيا».
ما حدث فى «أزمة الزند» يؤكد أن الدولة فعلت شيئا أشبه بـ«تعويم الجنيه»، فوضعت المستشار الزند فى سوق الرأى العام، ليخضع وحده إلى قانون العرض والطلب والمدح والهجوم، ولما رأت أن الهجوم أكثر حدة أقالته ورفعت يدها عنه، وأخشى ما أخشاه أن تكون الدولة مازالت تتعامل مع هذه القضايا بسياسية «اللى على راسه بطحة»، فتغالى فى الدفاع عن المقدسات الدينية، لأنها أقصت جماعة الإخوان المسلمين عن عرش مصر، وتريد أن تقدم نفسها إلى الشعب باعتبارها الأكثر حرصا من الإخوان على الدين حتى لو كانت الإساءة للدين غير مطروحة ولا مقصودة، وأن الأمر لا يتعدى «زلة لسان» يقع فيها آلاف المصريين كل يوم، وأنى لأتعجب، كيف يتغنى الآن بعض المثقفين فرحا بإقالة الزند بحجة «ازدراء الأديان»، فى حين أنهم كانوا بالأمس القريب ينادون بحذف مواد القانون التى تعاقب على هذه الجريمة، وهو ما يؤكد أن الدولة والشعب والنخب أيضا غارقون فى التناقضات.
ستقول لى ولماذا لم تعترض على إقالة وزير العدل السابق المستشار «محفوظ صابر»، حينما أقيل بناء على زلة لسان أيضا، وسأقول لك إن تصريح «صابر» الذى قال فيه إن «ابن الزبال»، لا يصلح ليكون قاضيا يختلف تمام الاختلاف عن تصريح الزند، وذلك لأن صابر بهذا التصريح يهدم أسس العدل بين الناس بما يتعارض مع مهام منصبه، أما أن يقال وزير من منصب نتيجة «زلة لسان» أو غضب إحدى المؤسسات أو الخضوع لابتزاز الغوغاء فهذا هو الخطر بعينه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة